التحليلية. ولكن (المكتبة العربية) ترى أن هذا الأسلوب لا يمثل إلا رأي صاحبه، وأن الرأي قد يخطئ الحقيقة وقد يصيبها، وهي لا تحب أن تخرج للناس (درساً) فيه الخطأ وفيه الصواب، بل تاريخاً صحيح السند مضبوط الرواية. . . . .
(وقد كرهت بادي الرأي هذا الأسلوب. . . فكيف أجوز أصعب الشقتين، فأجمع المواد وأفحصها وأنقحها وأسكبها وأؤلف بينها، ثم أثبتها في الكتاب كما هي فيأتي (آخر. . .) فيأخذها هينة لينة، فينشئ منها كتاباً تحليلياً تكون فاتحته انتقاصي وذمي بأني لم أنشأ منها كتاباً تحليلياً. . .
(ثم بدا لي فقلت لا بأس، فأنه مهما يكن للأسلوب التحليلي من المزايا، ومهما يكن للأسلوب العربي من العيوب (عند بعضهم) فأن الصحة ليس بغير الأسلوب العربي، وليس لأمة من الأمم ما للأمة العربية من الضبط في الرواية والتحقيق فيها والتثبت منها؛ ولا يدري أكثر من نعرف من الشبان من أمر هذه الراوية شيئاً، بل إنهم لا يجهلونها لمرة واحدة وينبزونها حماقة وجهلاً (بالكتب الصفراء) لما وضعوا في نفوسهم من أن الخير لا يكون خيراً لذاته، ولكن للطابع الغربي الذي يشترط أن يكون عليه. . . وإن الشر لا يكون شراً لذاته، ولكن للسمة الشرقية التي يتسم بها. . . وذكرت أن أتباع الأسلوب العربي - على ما سينالنا من لوم على اتباعه - خير لشبابنا (وهم جمهرة القراء) وأجدى عليهم، وأنه في طوق كثير من الشبان أن يكتبوا التاريخ التحليلي لأبي بكر إذا وجدوا الصحيح من أخباره مجموعاً في كتاب واحد، ولكنه يعجز الكثير منهم أن يجمعوا هذه الروايات ويفحصوها ويرتبوها. . .)
ولا ريب أن الأستاذ قد بلغ أقصى ما أراد في الجهة التي اختارها أو أختارها له الناشر، فقد أستوعب كتابه كلُّ ما أتصل بحياة الخليفة العظيم من الآيات والأحاديث والأخبار في سياق مطرد وترتيب محكم وأسلوب جذاب. ولكن من يقرأ تصدير الكتاب ويقف على أسلوب الكاتب في حسن التعليل، وصدق الوصف، وبراعة العرض، يتمنى لو أن الأستاذ كان قد وفق بين الطريقتين، فيجمع بين المزيتين، ويسلم من نقد القارئ المتعقب، واستغلال الكاتب الجحود