وقلت وداعاً وانتهجنا سبيلها ... وسرنا بأرض الله ذات المناكبِ
وكانت ليالٍ ثم أشرف ركبنا ... على شاطئ الصحراء مثوى العجائبِ
سلامٌ على دار المنايا وأهلها ... من ابن سبيل أشعث الوجه شاحبِ
يروم الغنى فيها ويبغي كنوزها ... ويرجو بها ظلا وضجعة لاغبِ
طلبتُ على جهل سواء سبيلها ... وأُنسيت حظي والتفاف المشاعبِ
وكلفني ما لا يراد توهمي ... وشفت أحاسيسي بروق المغايب
وأشربت حب الخير حتى أضلني ... وشبَّه معوجاً بآخر لا حبِ
وغشَّى على عقلي فأكبرت تافها ... وسُمْتُ البلايا رغبة في المكاسبِ
وران على نفسي صداها فعانقت ... - لها الله - أمواج السراب المُكاذبِ
وخايلها يمُّ غرورٌ فأنزلت ... بأتعس ثغر فيه أشأم قاربِ
أُسائل مَنْ حولي وليسوا نواطقا ... وليسوا سوى أشباح غرقى رواسبِ
وتُؤذن بالرجعى نوايا عُبابه ... وأين وما بالشط مرسى لراكبِ
أمامي سدود كالفضاء ومفزعي ... إلى غُصص مشبوبة وكواربِ
وأفنى السُّري زادي ومائي ولم أجد ... بها مستقراً واستدارت مذاهبي
وضاق بِوَعثاءِ الطريق تفكري ... ومصَّت شعوري موبقات السباسبِ
وضمَّت على أدهى من اليأس أضلعي ... وناءت بأثقالي ظهور النجائبِ
وأرَّقني خوف المصير ولم أعُد ... أطيقُ الدياجي وارتجافَ المهاوبِ
فأخرجت من صخبي كريماً يودني ... وذا بصرٍ يومَ الشدائد ثاقبِ
وملّكته أمري فكان دليلها ... وسيرت ركبي خلفه غير ناكبِ
وسِرْتُ زماناً مغمض القلب سادراً ... تُلِمُّ في الذكرى وأحدو ركائبي
وأخشع أحيانا أحيىِّ مقابراً ... دفنت بها أهلي وبعض صواحبي
وأسمع للصحراء جُنَّت رياحها ... وردَّت على الموتى نُواح الأقاربِ
وأهوى مع الآفاق جسما مفرغاً ... وروحاً أتاه الموت من كل جانبِ
وبعد أعاجيب تراءت كنوزها ... وراء ضباب كالدجى وسحائبِ
وأذَّن حادي الركب: لا هُمَّ نعمةًً ... ونادى بيوم طافح البشر واهبِ