- ولكن ألا ترى معي يا أخي أن هذا السؤال لا يعترض إلا صغار الموظفين والذين لا يملكون إلا القليل مما تصبو إليه نفوس السائلين، أما الغالب في كبار الموظفين فضمير كبير نماه احترام الموظفين الصغار.
- ضمير!! أنت تفهم مدلول هذه الكلمة، ولعل كبار الموظفين يفهمونه؛ ولكنه في نظر عبد الشكور شيء معوق يجب أن يزول. . فتراه حين يرى ثروة الرجل الكبير يعرف أن الضمير في هذه المرة غالي السعر قليلا فهو يبذل ويبذل حتى تخمد ثورة وتبدأ مفاوضة. . مفاوضة غير مقطوعة. . فالموظف الكبير لا يقبل الدخول في هذه المفاوضة إلا إذا كان السعر المبذول باهظاً والغني الجديد يعلم أن الضمير إن لم يكن بالسعر المفروض فهو بما يقاربه، وكأنني بابن الرومي قد رأى الشاري والبائع فأرسل هذين البيتين:
إن للحظ كيمياء إذا ما ... مس كلباً أحاله إنسانا
يفعل الله ما يشاء كما شا ... ء متى شاء كائناً ما كانا
كلا الرجلين كلب من كلاب الحظ. . .
- هل تريدني أن أفهم العصامية والنشاط الاقتصادي مجرد كيمياء من الحظ. . لا يا أخي أنت مخطئ. إن عبد الشكور رجل عظيم أنتشل نفسه من وهدة الفقر فعمل وعمل حتى تسنم ذروة الغنى. أنا لا أفهم مطلقاً أن يشرع الكتاب أقلامهم لمحاربة قوم عملوا فربحوا. أنا لا أفهم. . .
- اسمع لي قليلا حتى تفهم. . . تقول إن الكتاب مخطئون حين يهاجمون هؤلاء. ولو لم أكن وثيق الصلة بك لأيقنت أنك لم تكن حياً في أيام الحرب، ولكن الغريب أنك كنت معي وكنا نتشاكى الغلاء معاً. . فلا شك أنك كنت حياً. .
العصامية - يا سيد - شيء نقدره - نحن الشرقيين - نقدره إذا كان عن طريق شريف. . والتاجر الذي يربح في السوق الشريفة يحتاج إلى لباقة وكياسة، وما دام يربح شريفاً فلا حاجة للربح الدنس، فهو يحتقر السوق الملوثة ويحاربها، عندنا من هؤلاء الشرفاء قلة ولكنها محترمة لأنها كانت في أمانة فوصلت. . هذه القلة لم تساعدها كيمياء الحظ مساعدتها لعبد الشكور، وإن كان لم يبخل على اجتهادها بقطرة. . ولكن ذلك العبد الشكور