وكل تجربة جديدة تمر بنا، وكل فكرة تطوف بخاطرنا، وكل فعل نقوم بتحقيقه؛ بل كل حالة عضوية تعرض لنا، لا بد أن يكون لها تأثير لا يمحى في حياتنا النفسية. ومعنى هذا أننا لا ننفصل مطلقاً عن ماضينا، بل إن شخصيتنا تزداد ثراء وخصباً بكل تجربة جديدة تعرض لنا. وقد نشفى تماماً من مرض انتابنا، أو حالة نفسية عرضت لنا، ولكن لا بد أن يظل أثر هذا المرض أو هذه الحالة النفسية باقياً في طوايا شعورنا.
ومن جهة أخرى فإن من المستحيل على الشعور الإنساني أن يمر بحالة واحدة مرتين. قد تكون الظروف الخارجية واحدة، ولكنها لا يمكن أن تؤثر في الفرد نفسه تأثيراً واحداً، ما دامت تعرض له في لحظة جديدة من لحظات حياته. وعلى ذلك فإن التاريخ الإنساني (باعتبار أن كل إنسان هو عبارة عن تاريخ) لا يعيد نفسه مطلقاً. والشخصية الإنسانية تتكون في كل لحظة من التجارب المتجمعة، فهي تتغير دائماً أبداً، وهي إذ تتغير، تحول دون تكرر حالة واحدة بعينها. ومن هذا كله إلى هذه النتيجة الهامة، وهي أن الزمان النفسي غير قابل للإعادة، أعني أننا لا نستطيع أن نحيا (إن صح هذا التعبير) حالة واحدة بعينها مرتين، لأن هذا يقتضي أن نلغي وجود الذاكرة التي تحتفظ بالماضي.
وإذا عمدنا الآن إلى مقارنة الزمان الآلي بالزمان النفسي فإننا نجد أن الزمان الآلي يسير وفقاً لإيقاع مطّرد؛ أعني أنه مكون من فترات متساوية لا يتغير مساره خلالها. أما الزمان النفسي فهو على العكس من ذلك، لأنه يختلف في سرعته لدى الفرد الواحد، تبعاً للفترات المختلفة في حياته. فالسنة الواحدة - إبَّان الطفولة - تحتوي على أحداث فسيولوجية وتغيرات نفسية، أكثر مما تحتوي عليه السنة الواحدة إبان الشيخوخة - وعلى ذلك فإن السنة الواحدة أطول إبان الطفولة، وأقصر إبان الشيخوخة؛ لأن قيمتها بالنسبة إلى الطفل أكبر منها بالنسبة إلى والديه.
من هذا يتبين لنا أن الحياة الإنسانية لا تُحْسَب بالأيام والسنوات، بل بالقدر الذي (تحيا) به الأحداث والتجارب. ومعنى ذلك أنه من العبث أن تقاس أطوار الحياة الإنسانية بالزمان الآلي، لأن هذا يقتضي أن يكون في الحياة النفسية اطراد الزمان الآلي؛ ولكن هذا الاطراد - في الحقيقة - لا وجود له في الحياة فالحياة الإنسانية لا يمكن أن تقسم إلى أطوار زمنية تحسب بوحدات الزمان الآلي، بل يجب أن تقسم إلى أطوار نفسية تحسب بوحدات الزمان