للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النفسي.

وإذا أقمنا اعتباراً للزمان النفسي، فإننا لابد أن نهتم اهتماماً كبيراً جداً بزمن الطفولة المبكرة، لأن هذا الزمن هو بطبيعة الحال، الزمن الثري الحافل. . . حقاً إن الزمان الآلي الذي تشغله هذه المرحلة من حياة الإنسان، لا يبلغ مدى مرحلة الاكتمال أو مرحلة الرجولة، ولكن الزمان النفسي الذي تنطوي عليه يفوق أية مرحلة أخرى. ولهذا فإن من الواجب أن تعطي مرحلة الطفولة المبكرة كل عناية ممكنة في التربية. ولسنا في حاجة إلى أن نؤكد ما لهذه المرحلة من قيمة سيكولوجية في الحياة النفسية كلها، فإن هذه حقيقة ثابتة لا شك فيها.

أما مرحلة النضج ومرحلة الشيخوخة فليس لهما إلا قيمة سيكولوجية ضئيلة بالقياس إلى مرحلة الطفولة، لأنهما مرحلتان خاليتان تقريباً من التغيرات النفسية والتطورات العقلية ومن أجل هذا، فإن من الواجب أن يملأ الفراغ الموجود فيهما بنشاط صناعي. وعلى ذلك فإنه إذا بلغ الفرد مرحلة الشيخوخة، لم يكن عليه أن يقلع عن العمل ويركن إلى الدعة والخمول، لأن الفراغ أخطر بالنسبة إلى الشيوخ منه بالنسبة إلى الشباب. . .؛ بل إن من الواجب على المجتمع أن يعهد إلى أولئك الذين وهت قواهم بعمل معتدل مناسب، لا براحة تدينهم من الموت، أو دعة تذيقهم طعم الموت الحي

وإذا أنعمنا النظر في هذه الفكرة - فكرة الزمان النفسي أمكننا أن نفهم كيف أننا منعزلون بعضنا عن بعض في دوائر منفصلة، أو عوالم متميزة. فمن المستحيل بالنسبة إلى الأبناء ن يفهموا آباءهم وبالأحرى أجدادهم. ولهذا فإننا إذا نظرنا إلى الأفراد في حقبة واحدة أمكننا أن نقسمهم إلى أربعة أجيال متعاقبة بينها من التنافر أقصى ما يمكن. . . وإن هذا الجد الطاعن السن وذلك الحفيد الصغير، لهما كائنان مختلفان كل الاختلاف، وكل منهما غريب عن الآخر تمام الغرابة. . . فإذا أريد أن يكون تأثير الجيل الواحد في الجيل الذي يليه تأثيراً أكبر، كان من الواجب أن تقل المسافة الزمنية بينهما. ولهذا فإن من الأفضل أن تصبح المرأة في دور شبابها الأول، حتى لا يكون المدى الذي يفصل بينهما وبين أولادها هو من السعة بحيث لا يمكن الحب نفسه أن يسد فراغه.

زكريا إبراهيم

<<  <  ج:
ص:  >  >>