ومن أنواع الصيام ما هو واجب يتحتم على جميع الطبقات أو بعضها بشروط خاصة، ومنه ما هو مستحب يندب إليه جميع الأفراد أو بعض طوائف منهم. وجميع أنواع الصيام التي شرعها الدين الإسلامي تقتضي الإمساك عن الأكل والشراب والاتصال الجنسي من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس، وليس منها ما هو فرض على جميع المكلفين العاقلين إلا صيام رمضان
هذا، ويشبه صوم رمضان في ظاهره صياماً شرعته ديانة الصابئين والمانوية، وسمي صيام الثلاثين، فقد جاء بالجزء التاسع من كتاب الفهرست لابن النديم أن شريعة الحرانيين المعروفين بالصابئة أو الصابئين (تفترض عليهم من الصيام ثلاثين يوماً أولها لثمان مضين من اجتماع آذار)، وأنهم كانوا يؤدون هذا الصوم تكريماً للقمر، وأنه كان إمساكاً مطلقاً عن جميع المأكولات والمشروبات من طلوع الشمس إلى غروبها. وقال في نفس الجزء في أثناء كلامه عن الثنوية الكلدانيين أو المانوية إنه (إذا أهل الهلال ونزلت الشمس الدلو ومضى من الشهر ثمانية أيام يصومون حينئذ ثلاثين يوماً يفطرون كل يوم منها عند غروب الشمس). وتدل عباراته أن صيامهم هذا كان تقديساً للأفلاك السماوية وبخاصة الشمس
وقد حاول كثير ممن في قلوبهم مرض، وممن وقفوا جهودهم على النيل من الإسلام والكيد له تحت ستار البحوث التاريخية، والتحقيقات العلمية، حاولوا أن يرجعوا صيام رمضان إلى صيام الثلاثين عند الصابئين والمانوية، زاعمين أن محمداً عليه السلام قد اقتبسه من هاتين الشريعتين
ومن هؤلاء الدكتور جاكوب الألماني. فقد قرر في رسالة كتبها في موضوع صيام رمضان، بعد تحقيقات حسابية طويلة وموازنات بين التاريخ العربي والميلادي والبابلي، أن أول سنة شرع فيها هذا الصوم وهي سنة ٦٢٣ ميلادية كان أول يوم من شهر رمضان فيها يوافق الثامن من شهر آذار، أي أن أول رمضان صامه المسلمون كان موافقا في مبدئه ونهايته لتاريخ صيام الحرانيين، وإن في هذا أكبر دليل على أن محمداً قد اقتبس صومه عن شريعة الصابئين