وحكاية دك السوار واقتحام الميادين وانتزاع النصر تحتاج إلى شرح:
فهل من الحق أن الأديب لا يدك أسواراً ولا يقتحم ميادين؟
إن الأديب يقضي عمره في جهاد ونضال وعراك مع الدنيا والناس، ومع الأوهام والأباطيل والأضاليل، وما شرق مشرق أو غرب مغرب في دعوة وطنية أو اجتماعية إلا على هدى من وحي الأديب؛ ولا استبسل جبان، أو استقتل شجاع، إلا بتحريض من عبارة فاه بها شاعر أو كاتب أو خطيب
في أعقاب الحرب الماضية ظهر كتاب فرنسي اسمه: وهو كتب أقيم على أساس القول بأن الوحشية الألمانية ترجع إلى إيحاء من شعراء الألمان ومفكريهم في القرن التاسع عشر، وأن السيوف تتلقى الوحي عن الأقلام في تلك البلاد
وقبل هذه القولة الفرنسية في تعليل الوحشية الألمانية، قال أسلافنا منذ أزمان طوال: إن أبياتاً من شعر عمر بن أبي ربيعة نقلت قلب هرون الرشيد من مكان إلى مكان، فصنع بالبرامكة ما دونه التاريخ بإسهاب
وإلى الأدب العربي يرجع الفضل في تأريث البطولة العربية وكذلك حظ جميع الآداب في جميع الشعوب
حين تزاور الرؤساء من الإنجليز والأمريكان بعد انتصار الحلفاء في الحرب الماضية لم يجدوا عبارة تفصح عن الألفة بين الأمتين أفضل من العبارة التي تقول بأن لغة شكسبير هي الرباط الوثيق بين الإنجليز والأمريكان
فهل سمعتم أن شكسبير دك أسواراً واقتحم ميادين؟
ومنذ أسبوع نقلت البرقيات أن المسيو هريو رد وسام (اللجيون دونير) إلى المشير ببتان - وكان تلقاه من كليمنصو العظيم - لأن حكومة فيشي منحت هذا الوسام لضابطين يحاربان في صفوف الألمان، فعمن تلقى هريو هذا الوحي الرائع، الوحي الذي يأبى على الضمير الفرنسي أن يستبقى وساماً يهدي إلى من يحارب في صفوف الأعداء، ولو أصبحوا بحكم الضرورة حلفاء؟
هذه التفاتة أدبية لا سياسية، والأدب يوحي معاني تنفر منها السياسة، بحيث يجوز الحكم بأن الأدباء أشجع من السياسيين، وما مدح سعد زغلول بأفضل من النص على أنه كان