ودوافع الحياة الشائعة أن تطلب منك القوت واللذة وما في حكمها مما يطلب من جميع النظراء في النوع. وهذه هي كل الدوافع التي تحرك الحمار، فإذا فرغت أو كفيت لم يخرج مع هذا عن تكرارها والانحصار فيها، لأنها هي وحدها الموجودة بالنسبة إليه
فالحمار ليس بذي وجود شخصي أو (عالم نفسي) مستقل بدوافعه الذاتية بعيد عن ضرورات الحياة الشائعة في النوع
ولكنه - وككل حيوان بغير تخصيص - مجرد مدفوع بدفعات الحياة ودوافعها. وليس بذي دفعة في الحياة إلى جانب ذلك الاندفاع. فهو نسخة شائعة أو رقم في نوع. . .
أما النفس التي لها وجودها الخاص، فهي النفس التي لها مطالبها وغاياتها التي تتميز بها عن بقية أفراد جنسها الذين يطابقونها في تلقي دفعات الحياة الشائعة، ولكنهم لا يطابقونها في دفعات حياتها الخاصة. . . التي هي عالمها النفسي الخالص لها بغير شريك. . .
تلك النفس ليست نفس جائع أو معدة مبطان، لأن الجوع ليس كل ما لديها من علامات الحياة. . . ويستوي بعد هذا أن يجهل الجوع صاحب تلك النفس، وإن يعوزه الطعام طيلة أيامه. والحمار بعد جائع أو صاحب جوع، ولو لم يغب عن فمه المذود طرفة عين!
ولكن هذا وذاك قد يتشابهان في السمت أو في الاسم، وقد تضمهما - بغير تفريق - رتبة واحدة في مملكة الحيوان!
افترى حياة المعدة وحياة النفس بعد هذا سواء؟
افترى الاسم الواحد يحمل معنى واحداً عند هذه وتلك؟
افترى الحرية واحدة بعد هذا، لا في معسكرين متقابلين، بل عند أصحاب الفريق الواحد، لأن الفارق فارق الطبائع لا فارق الأوضاع؟
إن اللقمة الواحدة يأكلها اثنان على مائدة واحدة، ولكنها عند هذا غيرها عند صاحبه. . .
فهي في هذا الجانب من المائدة أصل المسعى وغاية الطلاب. وهي في الجانب الآخر منها عارض يجب رفعه من الطريق التي ليس هو من غايتها في كثير ولا قليل. . .
وحساب اللقمة بعد كحساب كل شيء يشترك في مظاهره اثنان في هذه الحياة. لأن الحياة نفسها بمعناها الأصيل مختلفة كل الاختلاف خلف تشابه المظاهر والسمات
فهل الحرية بعد هذا يمكن أن تكون واحدة خلف وحدة اللفظ على لسان هذا وذاك؟