فكما أن هناك جوعة عارض وجوعة مبطان، فكذلك هناك حرية أحرار وحرية عبيد!
أما الأحرار، فالحرية لديهم هي عين حياتهم النفسية: تفيض نفسهم بالدوافع الذاتية، فإذا بالحياة من خارج تنازعها الميدان، ولا تتركها طليقة تأخذ مداها كما تريد. فتحس النفس - لأنها حرة أصلاً وبطبعها وحكم وجودها الشخصي - أنه محال بينها وبين الاستمتاع بحريتها. فتطلب لذلك الحرية كمال موجود طبيعي، لا قضاء مطلب مطلوب من الخارج طلب فرض واضطرار!
أما العبيد فالحرية عندهم أن يطلبوا الطعام - حاشا! بل أن تطلبهم معداتهم بالطعام - فلا يحال بينهم وبين الطعام. وهم - إلى هذا - تطالبهم غريزة (هي معدة من نوع آخر لا أكثر ولا أقل) أن ينفلتوا من القيد انقلات البهيم يأنف العقال إذا نسى الشبع وأحس البطر. أو حين يعضه الجوع فيدفعه إلى السعي وراء القوت
آية الحرية عند الحر ألا يرغم على ما لا يريد، وأن تترك إرادة حياته الفردية أو النفسية بغير حد يقيد مداها. ويحول دون كمال وجودها، سواء أكان ذلك من صنع المخلوقات أو كان من طبيعة الخلقة الشائعة.
فهو يرفض كل إرادة على الإطلاق، لأن له إرادته الخاصة التي يسعى لتحقيقها بغير قيد
وآية الحرية عند العبد ألا يرغم على مالا تريده له طبيعة خلقته الشائعة بين أفراد نوعه. .
إنه بغير إرادة خاصة - إذ هو بغير عالم نفسي - فهو لهذا لا يفهم أن تكون لأحد إرادة، وبالتالي أن تسيطر عليه إرادة أحد. . .
ولكنه يحس إرادة الحياة الشائعه وهو كله لها. . . فيكره لهذا أن يشارك تلك الإرادة مريد
الحر صاحب نفسه، والعبد ملك خلقته
وكل يذود بعد هذا عن ملكه: فالنفس تأبى الشريك في إرادتها وعالمها. . . والخلقة الشائعة تأبى الشريك في مملوكها المسخر. . . وهو يكره أن يتقاسمه سيدان، فيكافح الدخيل ليخلص للأصيل. . .
والكفاح هنا وهناك يقال إنه في سبيل الحرية!
فمن ينكر كل إرادة، لأن عالمه لا يتسع لغير حياته الخاصة وإرادتها، فهو طالب حرية