للرسالة مناص من أن تتأثر بما تأثرت به الصحف الكبرى في الأمم العظمى، فنقصت حجمها بعض النقص، واقتصدت في زينتها بعض الاقتصاد؛ ولكنها واءمت بين الأدب والواقع فجعلت من الأقلام المرهفة أسلحة مشروعة في هذه الحرب، تهاجم الطغيان، وتدافع الخور، وتؤيد الحق، وترسم الطريق، وتهتف بالبطولة، وتذود عن الخلق، وتمِّهد للسلام، وتبحث في المستقبل؛ حتى تهيأ لمجموعتها الثامنة من أدب الحرب في أبواب المقالة والشعر والقصص ما لم يتهيأ مثله للأدب العربي كله في سابق عصوره
على أننا والحمد لله لا نخشى على (الرسالة) شر الحرب، فإن هذه الحرب الغشوم أبطلت كل قوة وعطلت كل عدة ما عدا قوة الإيمان وعدة الصبر. وفي إنجلترا الصابرة واليونان المؤمنة المثل والقدوة. ومادامت (الرسالة) مؤمنة بآرائها، مطمئنة إلى قرائها، فستلوذ بالصبر حتى تنسلى هذه الهموم وتنجل تلك الكرب. والشجرة كلما مكن الزمن لأصولها في بطن الأرض ضمنت لنفسها الغذاء والري، فهي في الظاهر تخضع لقوانين الطبيعة: تزوى في الصيف، وتعرى في الخريف، وتقشعر في الشتاء، ثم تورق في الربيع؛ ولكنها في الباطن تزخر بالحياة المكنونة في غصونها القائمة وجذورها النائمة
لقد كانت لنا في مفتتح كل عام من أعوام الرسالة شكوى من ركود الأدب وكساد الصحافة وسطوة الأمية؛ ولكن هذه الشكوى أصبحت اليوم في جانب ما يشكو منه الناس ضرباً من الدلال والعبث. ليس في العالم شعب ولا مذهب ولا خُلق ولانظام ولاعمل إلا وهو الآن في موضع الشكوى من انقلاب الوضع فيه واستشراء الفساد به. وماشبوب هذه الحرب إلا نُفْضِة هذه الحمى الاجتماعية التي غيرت معاني الخير في فهم الإنسان وذوقه وعقله وضميره؛ فهو يلتمس السلامة والسلم من وراء هذه الحرب في دين يكمل نقصه في الإدراك، وبقيد طموحه للشهوة، وينظم علائقه بالجماعة، وينطوي على قوة ذاتية تضمن له البقاء والنماء والتجدد، فلا يهن على الأحداث ولا يبلى على الزمن. والرسالة تعرف هذا الدين بالعقل وتدعو إليه بالحكمة؛ نهى في جهادها الأدبي على ضوء هذه العقيدة منار للطريق القاصد ومنهج للإصلاح الحكيم إنا نعتقد مخلصين أن العروبة إذا اتحدت كانت بقوميتها أساساً لنهضة الشرق، وأن الشرق إذا نهض كان بطبيعته أضمن للسلام من الغرب، وأن الإسلام إذا تجدد كان بسياسته أصلح لإقرار العدل من كل نظام، وأن الأزهر