والتفت إليه عند هذا الحد من حديثه وخاطبته متحمساً:
نعم! ذلك أفضل يا عماه. لو كنت محلك ما فعلت غير هذا. انك هناك لا تضرب بالعصى على ما أعتقد ولا تجر على الأرض:
ونظر ألي المسكين نظرة ذاهلة حزينة وقال:
نعم يا بني، سوف لا يضربونني بالعصي، لأن العصي ليست جزاء من يتخلف عن واجبه في الجندية! إنما هي قطع من الرصاص صغيرة يدفنونها في أحشائنا أو يولجونها في رؤوسنا، فنضحي وكأن لم نكن. ولكن يميناً غموساً لن يحول هذا دون ما أنا عازم عليه من غدي!
وخُيل إلى كأنني أدركت معنى هذا الكلام الغريب فراعني من الرجل هذا العزم، ونظرت إليه في رعب ظاهر وذعر متوسل، وبعد لحظة من الصمت خيل ألي فيها أن الرجل يتذكر أموراً ويستعيد صوراً رفع عينيه وقال:
كلا يا ولدي الصغير! كلاّ! سأجاهد إذا في سبيل الحياة، سأحاول أن أعيش. إن لي صغيراً في سنك. لقد نسيته حينما أقسمت، ولكنني الآن أذكره. انه ينتظرني الآن: ينتظر أن يطوقني بيديه الصغيرتين. سأعيش، سأعيش
وانحدر الدمع المعلق في مقلتيه منذ حين، وذهب يسير في أخاديد وجهه المجعد. وكان بعضه يقع على الأرض وبعضه الآخر تتلقاه كفه وفيها قِدّة من القماش أخذها من بقية قميص على صدره
وعدت إلى فراشي وليس أقر مني عيناً، وليس أدمي مني قلباً كذلك.