للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والآلام والأحزان والأهوال والأثقال ثم تقوى على مس تلك الصدمة إلا كما تقوى على مس التيار الصاعق من الكهرباء؟

لكنها نقمة من النقم أن تبلغ بلاده الخيال ذلك المبلغ الذي لا يرى من وراء الملايين المقتولة إلا رقماً من الحساب

نقمة تجر إلى شتى النقم، لأن الناس لو تخيلوا بعض ما ينبغي أن يتخيلوه من أهوال الحروب وأثقال الفواجع لبطلت منذ عهد طويل

فاللهم لا ذلك الحس الذي يصعق كما تصعق الكهرباء، ولا هذه البلادة الصماء التي تلحق الآدمي بالبهيمة العجماء

اللهم ذلك الحس الذي يبكي لمصرع مليون يتخيلهم مصروعين كما يبكي لمصرع فرد واحد يراه بعينيه ويعلم ما في مصابه من شقاء لذويه ومحبيه

فهل تعلم ما للخيال من شأن في تمثيل المصائب والثورة عليها والتمرد على مقترفيها فلا نضن عليه بالتغذية ولا نستكثر عليه ما نسميه لهو البطالة وإزجاء الفراغ؟

وكأنما (المريخ) مخلوق له طالع من طوالع السعود، وجد لا يصيبه تقلب الجدود

ففي كل عصر له رزق مسوق إليه على حسب ما يكون في ذلك العصر من علم أو صناعة أو تدبير

قيل أن الناس قد لطفت خلائقهم في العصر الحديث حتى لا يطيق أحدهم أن يبقر البطون ويبتر الأوصال ويشهد اختلاج الأرواح المزهقة في الأجساد الممزقة كما كانوا من قبل يصنعون قبل ألوف السنين

قيل هذا ولعله صحيح أو قريب من الصحيح، ثم هممنا أن نرجو بعض الرجاء، وهم المريخ أن يقنط بعض القنوط، فأقبل العلم الحديث برزق جديد لذلك المخلوق المجدود: إله الحرب الذي أنذره أبو العلاء بسوء المصير حين قال:

ولنار المريخ من حدثان الد ... هر مطف وأن علت في اتقاد

فما أدركه النذير؟

لأن الحرب الحديثة تحول بين القاتل وصرعاه فلا يرى ما هو صانع من فتك وتمزيق وتهشيم

<<  <  ج:
ص:  >  >>