إن موضوع القضية باطل، لأننا إذ نقول العربية فإنا نقصد إلى لغة موحدة الألفاظ والدلالات عند جميع أبناء العربية والذين ينطقون العربية، أما العامية فإنها تتوزع في الألسن إلى لهجات عديدة بل إلى لغات تختلف فيها الألفاظ ودلالاتها إلى حد كبير، ليس في الأقطار العربية فحسب، بل في القطر الواحد منها، وأظن الأستاذ يعلم الفرق الكبير بين شمال مصر والعامية في جنوبها، فأية عامية من هذه كلها يريد أن يتخذها أساسا تلتقي به لغة الكلام م لغة الكتابة.
في جميع أمم الدنيا لغة للكلام ولغة للكتابة، ويوم أن كانت اللغة العربية في أهلها فطرة وسجية كانت هناك لغة للكلام ولغة للكتابة. انه رأى غريب مريب، يعود فيرفع رأسه بعد أن قطعه أستاذه الجيل السابق. والعجيب أن يحفل المجمع بهذا الرأي الذي لا طائل تحته وأن يأمر بطبع هذا الكلام لبحثه وإبداء الرأي فيه، كان هذا المجتمع قد فرغ من أداء واجبه نحو العربية فما بقي علية إلا العناية بالعامية. ومن يدري لعل الشيوخ الإجلاء يقترحون ان يكون اسم مجمعهم (مجمع اللغة العربية والعامية)!!
بشار وروزفلت وزكي مبارك:
يبدو صديقنا الدكتور زكى مبارك في كتاباته التي يكتبها في هذه الأيام على نهج جديد، وطريق كثير الدروب والتعاريج، فهو يكتب كما يتحدث، وهو لا يرتبط مع القارئ بوحدة الموضوع ولكنه يستطرد ثم يستطرد، فيخرج من كلام إلى كلام، ويورد كل ما يبدو من الروايات والذكريات، وهو في هذا يعتمد على الذاكرة اكثر مما يعتمد على المراجعة، والذاكرة مهما كانت قوة وحفظا لا تصدق صاحبها في كل الأحيان.
وطريقة تشقيق الكلام والاستطراد هي الطريقة التي ابتدعها وآثرها كانت العربية الكبير شيخنا أبو عثمان الجاحظ، وليس من قصدي أن استطرد بالقارئ إلى الحديث عن هذه الطريقة، ولكنى أريد هنا أن أشير إلى مقال قرأته للدكتور يوم الثلاثاء الأسبوع الماضي في جريدة (البلاغ) فوقفت فيه على روايتين جديرتين بالتصحيح تقديرا للأدب وإكراما للتاريخ.
ما الأولى فقد قال الدكتور وهو يتحدث عن شهر كانون:
(وكان الشاعر بشار بن برد متهما بالزندقة، فأراد أحد الصوفية أن يحبب إليه الإيمان فقال: