إن للمؤمن الصادق في الجنة غرفة عرضها ألف ميل وطولها ألف فرسخ، فقال بشار: هي إذن أبرد من كانون الثاني)، وليست الرواية هكذا، ولكنهم قالوا:(ومر بشار بقاص فسمعه يقول: من صام رجبا وشعبان ورمضان بني الله له قصرا في الجنة صحنه ألف فرسخ في مثلها، وكل باب من أبواب بيوته ومقاصيره عشرة فراسخ في أمثالها: فالتفت بشار إلى قائده وقال: بئست والله هذه الدرا في شهر كانون الثاني). . . وإذن فلم يكن هناك صوفي يعظ بشارا بهذا الكلام الملفق، وقد كان على الدكتور، وهو مؤلف في التصوف، أن يتحرى الرواية من هذه الناحية فضلا عن الناحية الأدبية. . .
هذه واحدة. . .
أما الثانية فقد قال الدكتور وهو يتحدث عن الشيخ على يوسف صاحب المؤيد:(وكانت للشيخ على وقفة جريئة في وجه الرئيس روزفلت جد الذي كان رئيس جمهوريات الولايات المتحدة قبل سنين، وخلاصة القصة إن روزفلت زار أسوان واظهر عجبه من أن يتمجد المصريون بقصر انس الوجود. فثار شوقي الشاعر فنظم الضادية وفيها يقول:
شاب من حولها الزمان وشابت ... وشباب الفنون ما زال غضا
وثار الشيخ علي يوسف فشواه بمقالة في جريدة المؤيد. . .)
وليست القصة هكذا ايضا، ولم يكن الأمر أمر أنس الوجود، وإنما القصة أن روزفلت زار السودان وخطب في أحد المعاهد المسيحية هناك فإنهم المصريين بالتعصب الديني، وأشاد بأيادي الإنجليز على تقدم مصر، ثم دعا المصريين إلى ترك التشدق بالقديم البالي والنظر إلى إصلاح حالهم الراهنة، فكان أن غضب المصريون لأنفسهم، وثاروا عليه ثورة عنيفة في دفع تلك الافتراءات التي كان روزفلت يردد فيها كلام المعتمد البريطاني، وكان الشيخ على يوسف ممن حركوا القلم في هذه الثورة، وكان شوقي يوم ذاك موظفا ولكنه خرج عن دائرة (الموظف) كما يقول ونظم قصيدته الضادية في تمجيد حضارة الشعب الذي كفر به روزفلت وقدم لتلك القصيدة بمقدمة قال فيها: (قمت أيها الضيف العظيم في السودان خطيبا، فأنصفت العصر، وانتقصت مصر، واقبل أهلها بعضهم على بعض يتساءلون: كيف خالف الرئيس سنة الأحرار من قادة الأمم وساسة المماليك أمثاله، فطارد الشعور وهو يهب، والوجدان وهو يشب، والحياة وهي تدب؛ في هذا الشعب، ومن حرمة العواطف السامية،