فقد ركب ناقته ومضى ينشد طويلته متشبها بأجداده البادين، وكان الحفل الحاشد مأخوذا بما يرى ويسمع، فمن تدفق في البيان وطرافة في الموضوع، إلى غرابة في المنظر وبعد في الاتجاه، ولقد طال نفسه فيها حتى جاوزت قصيدته أربعمائة بيت تقرؤها في متعه وارتياح فلا تجد غير القوى الرصين!!
أما أخلاقه الرفيعة فقد كانت دينيه مثاليه تبحث عنها فلا تجدها عند الذين يتظاهرون بالورع ويتشدقون بالعبادة وليسوا من ذلك في قليل أو كثير، فعبد المطلب قد درس التعاليم الإسلامية ثم طبقها على نفسه وأتخذها منهجا يسير عليه. فكان عق اللسان، صلب العقيدة، راسخ الإيمان طاهر الذيل، متمسكا بتقاليد قومه، راغبا في الزهد الصوفي الذي ورثه عن ابيه، وقد أشترك في جمعيات إسلامية كثيرة. كالمواساة الإسلامية والشبان والهداية، والمحافظة على القران الكريم بإذلالها ما يستطيع بذله من مال وعتاد
قال شيخنا الأستاذ الإسكندري (وكان شديد العصبية لسلف هذه الأمة وقوادها وعلمائها وشعرائها فلا يكاد يسمع بحديث مزر عليها أو غاض من كرامتها حتى يغضب لها غضبة الليث الهصور وينبري له تزيفا وتهيجينا نظما وكتابة وخطابة)
هذا وقد أنتدب في سنه ١٩٢٨ للتدريس في تخصص اللغة العربية بالأزهر الشريف، وظل به حتى لقي ربه راضيا مريضا عنه بما قدم لدينه ولغته من العمل الصالح، وكان قد أحيل إلى المعاش من دار العلوم قبل وفاته بشهر واحد. وحين جاءه اليقين خرجت الدنيا تشيعه في حفل مهيب التقى فيه أصدقاؤه بتلامذته العديدين باكين منتحبين، ورأى الناس الوفاء للأدب والعلم متمثلا حول نعشه في جمع حاشد وصفه الهراوي فقال:
لقد مشت الدنيا وراءك خشعاً ... وما كنت في سلطان حل ولا عقد
إلا إنها كانت قاوباً تدامعتْ ... على الود تمشي حول نعشك في حشد