محتفظا بها في مسوداتها غير اليسير مما انشده في المحافل العامة وسارعت الصحافة إلى تدوينه!! ولعلك تقف معي من هذا على تواضعه الجم وعزوفه عن الشهرة، ولا لدري اي ذخيرة غالية قدمها الأستاذ الهراوي إلى العربية يوم جمع قصائد الفقيد في سفر خاص فكانت كأس النديم وعبير المشتاق
على أن مدة الشاعر لم تطل بوزارة الأوقاف ففي سنه ١٩٢١ تقلد وزارة المعارف المرحوم جعفر والي باشا وكان ذا اتصال حميد بأرباب الفكر وحملة اليراع، فاغتنم عبد المطلب هذه السانحة وتقدم إليه أملا في الأخذ بيده، وكان الوزير الأريحي عند ظنه الحسن به فقد استصدر أمرا من مجلس الوزراء بنقله إلى التدريس في دار العلوم مع إعفائه من الكشف الطبي إذ كان الشاعر يشكو ضعفا في قوة إبصاره، ولا تسل عن فرحته بالعودة إلى وسط ممتاز يشجعه على الدرس الجيد والبحث المفيد، ولم ير غير الشعر مكافأه طيبة يهديها إلى معالي أو زير فشكره بقصيدة عامرة قال فيها
أنا الروض حياه وليٌّ بديمة ... علية بأسباب الحياة استهلت
عداه الردى أحيا لمصر وأهلها ... مآثر عهد ابن يحي تولت
(جزى الله عنا جعفراً حين أزلفت ... بنا نعلنا في الواطئين فزلت)
ولم يلهه التدريس بدار العلوم عن الاتصال بالجمهور عن طريق الصحافة، فقد كان ينشر أبحاثه الأدبية دراكا، وحين ظهر كتاب الشعر الجاهلي للدكتور طه حسين سارع إلى نقده في جريدتي الأهرام والمقطم، ثم تشعب به النقاش فخاض المعركة الحامية بين الجديد والقديم. وأخذت الردود الكثيرة تتوالى على نقده وهو يناقشها مأخذا مأخذا حتى عد عند الكثيرين عميدا للمدرسة القديمة الاتباعية، ولقد طبعته هذه العمادة بطابع خاص، فكان يتعمد في أكثر إنتاجه أن يكون كما عهده الأدباء في صدر شبابه جزلا فحلا. واذكر انه ما أقيمت حفلة أدبية إلا ودعي إليها عبد المطلب باعتباره ممثلا للمذهب القديم اصدق تمثيل. وكان السامعون ينتظرون الديباجة العربية منه في شوق وانجذاب، ففي الحفلة التي بويع فيها شوقي بأمارة الشعر وقف عبد المطلب يلقى قصيدته فهمس أديب كبير في إذن شوقي أمرؤ القيس! أمرؤ القيس! وتكلم عبد المطلب فضج الحفل بالتصفيق الشديد!!
ولقد كان مظهره في الجامعة المصرية يوم ألقى قصيدته العلوية سنه ١٩١٩ رائعا جميلا