إبراهيم؟ والجواب على ذلك إن الشعر السياسي شعر شعبي لا يدور على الألسنة إلا إذا كان سهلا واضحا يفهمه العامي قبل المثقف. وقد كان حافظ رحمه الله يأتي في السياسات بنوع خاص بما يناسب عقل الجمهور، فطار شعره السياسي كل مطار. ورواه الريفيون في القرى قبل المثقفين في الاندية، اما عبد المطلب فقد كان محافظا على نسجه الرصين وجزالته القوية، فنجا شعره من العامة وظل منهلا رائقا يرده المثقفون، وإذا شئت الدليل على ذلك فقرأ قصيدة حافظ في سعد زغلول يوم اعتدى عليه ومطلعها
الشعب يدعوا الله يا زغلول ... أن يستقل على يديك النيل
ثم إقراء قصيدة عبد المطلب في هذا الموضوع
رمى وسهامُ الله في نحره رد ... فلا تأس حاطتك العناية يا سعد
فإنك بلا شك ستسايرني فيما أقول
وأود أن أنبه القارئ إلى قصيدة عبد المطلب في الحرب العظمى فهي وحدها كافية للتدليل على مذهبه في الشعر. ولقد عبر فيها عن إحساس الشعب المصري أصدق تعبير، فكانت سوطا ناريا يلهب ظهور الإنجليز، وقد مكثنا سبعين عاما نضج من المغتصبين ونرى بأعيننا كتائب الاستعمار رائحة إلى الحانات والمواخير، ينتهكون الحرم. ويصرعون العفة، ولكن لم نجد في شعرائنا من صور هذه المناظر المخجلة في جزالة لفظ وقوة أسر، غير عبد المطلب حين قال:
تبصر خليلي هل ترى من كتائب ... دلفن بها كالسيل من كل مودق
سراعاً إلى الحانات تحسبهم بها ... نعاماً تمشي رزدقاً خلف رزدق
يهولك مرآها إذا اصطخبت بهم ... مواخير تجلو فاسقات لفسَّق
إذا أجلبوا فيها حسبت ضفادعاً ... تجاذبْن إيقاعاً على صوت نقنق
زعانف شتى من طويل مشذب ... طرى القرى عاري الأشاجع أعنق
ترى منه بحبوحه الأمن باسلا ... وان يدعه الداعي إلى الكر يحبق
والقصيدة كلها وقد جاوزت المائتين تضرب على هذه الوتر الرنان، وطبيعي أنها لم تنشر في حينها بل ظلت في مدرجة النسيان حتى قرأناها بالديوان!! والعجيب أن عبد المطلب - بعد انتقاله من سوهاج - لم ينتشر خرائده تباعا في الجرائد اليومية كما فعل قرناؤه بل ظل