اللائق، فهي وحدها الدليل على تجديد عبد المطلب وتنبيهه إلى عنصر هام من عناصر الشعر قد اثبتت الحياة مزيد احتياجنا إليه، فليت الذين يرجفون بجفاف الشاعر وجموده يلتفتون إلى هذه المآثر الخالدة ثم يحكمون!!.
وأنت إذا نظرت إلى المآخذ التي توجه إلى شعرة تجدها منصبة على تغلغله في الأخلية الصحراوية، وهيامه بالأماكن البدوية وإكثاره من الغريب الفحل، مما يعتبره محاكاة وترسما لا تجديدا وابتداعا، في رأيي إن عبد المطلب بالذات غير ملوم في ذلك، لأنه عربي صريح نشأ في بيت يفخر بانتمائه إلى الجزيرة العربية، فهو حين يهتف بنجد والعقيق وسلع إنما عن وجود مشبوب، ويحين حنينا محرقا إلى أماكن يعتز بها مدى الحياة، فلا عليه إذا جال في هذا الميدان وصال، وأحرى بنا أن نوجه هذا النقد إلى غيري كالبارودي مثلا ممن لا ينتمون إلى الجزيرة ولا يشعرون نحوها بعاطفة وانجذاب!!
وإذا كنا نعد من حسنات الفرزدق على اللغة العربية إنه أحيا ثلثها في شعره، فلماذا ننكر على عبد المطلب إكثاره من الغريب المستساغ في وقت جاهر فيه أعداء اللغة بعجزها عن مسايرة الحياة، الا يكون ذلك توجيها صالحا منه إلى تحصيل اللغة ودراسة معاجمها الواسعة حتى تسعفنا بما نفتقر إلية من كلمات!!
هذا وقد شاءت الظروف السياسية أن ينتقل من مدرسة القضاء الشرعي إلى مدارس وزارة الأوقاف!! فحيل بينه وبين العقول الممتازة التي كانت ننتفع بآرائه وتوجيهه، ووجد نفسه أمام طائفة أخرى لا تزال في الدور الأول من التعليم!!
وقد اعتبر الفقيد في مدارس الأوقاف محنة قاسية قابلها بالصبر الجميل، على إنها كانت في الواقع محمدة جميلة. فقد خلص من دروسه العميقة قي القضاء الشرعي، وعكف على الإنتاج الأدب الرفيع، وكانت الحرب العظمى الأولى في ذلك الوقت مندلعة اللهيب، ثم تلتها الثورة المصرية الصاخبة، فوجد الشاعر من أحداث زمانه ميادين شاسعة يحلق فيها بخياله الجموح، وحين نطالع ديوانه نجده حافلا بالقصائد السياسية التي تعتبر في الواقع وثائق تاريخية صحيحة يحتج بها الباحثون، فما من عاصفة سياسية هبت بمصر إلا خلدها عبد المطلب في شعره الرائع - إلى جانب ما كان يكتبه من مقالات طنانة الدوى عميقة التأثير - ولعلك تسال معي لماذا لم تذكر سياسته الشعرية كما ذكرت سياسات حافظ