المواد الوسط التي يحتاج إليها الغني والفقير، وأوضح كيف أن السلع التي ترد من البلد البعيد المسافة أو شديد خطر الطرقات أعظم ربحاً.
وظاهر أن لفتات الدمشقي وابن خلدون هي إلى اليوم بعض سنة المستوردين والمصدرين، بل أن روح ابن خلدون إذ يرغب في استيراد ما ينفع الطبقات جميعها هي نفس الروح التي ينزغ عنها الحذاق من موجهي سياسة الاستيراد في أيامنا هذه.
ومن مظاهر عناية المسلمين الصادقة بالتجارة الخارجية أنهم سهلوا طرقها، فهيأوا الآبار حيث تسير القوافل، وفي الثغور أقاموا المنائر. والأساطيل بنوها لحماية السواحل من إغارات لصوص البحار، فلا غرو إذا كانت تجارة المسلمين حقبة طويلة سيدة التجارات، ولا غرو إذا أضحى للإسكندرية وبغداد من الشأن ما جعلهما وقتئذ تحددان أسعار البضائع في الدنيا.
وكان أهل البصرة ممن اشتهروا قديماً بالأسفار التجارية. ومن الأمثال التي عرفت:(أبعد الناس نجعة في الكسب بصري وخوزي (نسبة إلى خوزاستان)، ومن دخل فرغانة (في أقصى الشرق) والسوس (في أقصى الغرب) فلا بد أن يرى بها بصرياً أو خوزياً أو حيرياً.
وكان في (سيراف) مستوردون ومصدرون واسعوا الثراء يجوز مال أحدهم ستين مليوناً من الدراهم اكتسبها من تجارة البحر من العود والكافور والعنبر والجواهر والخيزران والعاج والأبنوس والفلفل وغيرها.
ومن نماذج النشاط الكبير في التصدير أن تنيس (من بلاد مصر) كانت تصدر من الثياب الدبيقية إلى العراق وحدها ما تتراوح قيمته سنوياً بين عشرين ألفاً وثلاثين ألفاً من الدنانير.
وكانت مدينة كابل مشتهرة بنسج القطن الذي كانت تصدره إلى الصين.
ومن التجار من كانوا ينقلون من بلاد الروس الشمالية إلى بلاد المسلمين جلود الخز وجلود الثعالب والسيوف والشمع والعسل.
وكانت البذور تستورد من مختلف البلاد، فقد استورد عبد الله بن طاهر حاكم مصر في عهد المأمون بذور البطيخ (العبد اللاوي) من خراسان.