نحب أن نقول أن ذلك الإنسان لن يعمل لمجرد لذة التحقيق، كالذي يشاهد من إنسان لا يرى الوجود كشريط سينمائي أو مرآة حين يعمل عملا وجد فيه لذة ما، فهو يعود ليحقق نفس العمل الذي يعرف نتيجته مقدما، ثم يعود ليحققه. . ومع ذلك لا يمله ولا يتركه. لن يكون أمر هذا الإنسان الذي يرى الوجود، كأمر ذلك الآخر الذي لم يعرف من الوجود إلا جزئيه، لأن ذلك الأخير يتمتع بغريزة الحياة؛ أما الأول فبرؤيته الوجود في مرآة أو شريط، بناء على معرفته بالأسباب والمسببات سيفقد (غريزة الحياة) وان لم يفقد الطاقة على العمل. فوجودنا يشمل أمرين: الأول (غريزة الحياة) - وهي هذا الدافع الذي يدفعنا إلى الحياة الناتج عن الانتقال المستقبلي، لأن الانتقال المستقبلي يولد في الإنسان أشياء منها التوتر والقلق، والرغبة في تحقيق الفعل، والغموض، وعدم التعين الذي يدفع بالإنسان إلى الانتقال المستقبلي ليرى سره، والتعزي عما مضى بما هو آت، والتطلع الدائم إلى ما يضمه المستقبل بين جنبيه، وحالة عدم السكون الناشئة من الرغبة في تحقيق الفعل؛ وكل هذه الأمور تكون ما نسميه (غريزة الحياة) أو الدفعة التي تدفع الناس إلى الحياة. وأما الأمر الثاني: فهو (الطاقة) التي يعمل بها الإنسان ليحقق الفعل؛ ولا يكون ثمة طاقة، إذا لم يكن هناك (غريزة الحياة)، ولكن قد توجد غريزة الحياة دون طاقة، ولكنها تكون حياة ساكنة لا تحقق إمكانيات، حياة عدمها خير من وجودها. وقد رأينا أن معرفتنا التامة للأسباب ستفقدنا (غريزة الحياة) الناشئة عن هذا اللا تحدد في الانتقال المستقبلي، ففناء وجودنا، وانعدام حياتنا. . سيكون حين يكون وجودنا مجرد مرآة أو شريط.