ولكنني - برغم هذا - حمدت للأستاذ الصديق رجوعه إلى الحق وأعترافه بأنه (لا ينكر خطر (الكلمة) وفعلها في النفوس وأثرها في العواطف) ولكنني رأيت الأستاذ يستشهد على خطر هذه (الكلمة) فيقول (أليست الكلمة هي من روح الله التي تجلت للجبل أمام موسى الكليم فجعلته دكا وخر موسى صعقا؟ أليست الكلمة هي التي أوحت إلى النحل أن تسلك سبل ربها ذللا فتأكل من كل الثمرات ثم تلفظها شهدا شهيا فيه شفاء للناس؟) فلم أستطع - والحق يقال - أن أتبين علاقة هذين الأمرين بما نحن بصدده من بيان خطر الأدب والكتابة وأثرهما في الحياة! أما الأولى فهي أن موسى عليه السلام طلب أن يرى الله وقال (رب أرني أنظر إليك قال أن تراني ولكن أنظر إلى الجبل فإن أستقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا) فلا أدب هنا ولا أدباء ولكن الله تعالى أراد أن يعلم موسى أنه طلب أمرا عظيما حين طلب رؤيته فدك الجبل به وبمن طلب الرؤية لهم معه وخر موسى صعقا (فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين). وأما الثانية فهي هداية من الله للنحل والهام لها بقوله تعالى:(وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون، ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس، أن في ذلك لآية لقوم يتفكرون) فلا أدب هنا ولا أدباء أيضا، ولكنه وحي والهام من الله وآية على قدرته، فما إقحام هذين الأمرين في موضوع تأثير الأدب في الحياة ومدى فعله فيها؟
وأستشهد الأستاذ على تفاهة قدر القلم بالبيت الشهير الذي يحفظه التلاميذ جميعا وهو:
السيف أصدق أنباء من الكتب ... في حده الحد بين الجد واللعب
ولا أدري كيف غاب عن الأستاذ الصديق أن أبا تمام لم يكن في هذا البيت يكتب موضوعا إنشائيا جميلا لطلاب المدارس (على حد تعبير الأستاذ الفاضل) يوازن فيه بين السيف والكتاب، ولكنه كان يفند أقوال المنجمين الذين أشاروا على الخليفة (المتوكل) إلا يخرج للحرب في يوم من الأيام لتطهيرهم منه وتوقعهم له الهزيمة والفشل في ذلك اليوم، فلم يستجب الخليفة لتنجيمهم ومضى إلى الحرب فكان الفائز المنتصر! فابتدره أبو تمام بقوله:(السيف أصدق أنباء من الكتب) أي من المنجمين! ويعترف صديقنا بان صديقته لم تكن