يرى بعض العلماء أن المصريين في أول عصورهم الفكرية لم يكونوا يعنون بالروح أو بعبارة أدق لم يكن عندهم عن الروح فكرة واضحة. ويعللون هذا بأن المصريين كانوا يعتقدون في تلك العهود السحيقة أن الجسم نفس حي يستمتع في القبر بكل مميزات الحياة. ولكن هذا الرأي عندي غير صحيح، إذ أن المعروف عند قدماء المصريين أنهم كانوا منذ أقدم عصورهم يدينون بوجود كائن أجنبي عن الجسم، وأنه أثناء وجود الجسم في القبر يختلف إليه من حين إلى أخر، وأنهم لهذا كانوا يتركون في بناء القبر ثغرة بسيطة تمر منها الروح جيئة وذهاباً، وأنه لكي تظل الروح حية يجب أن يبقى مأواها وهو الجسم سليما من الخدوش والجروح، ولا يضمن سلامة الجسم إلا التحنيط، فابتدعوه مدفوعين إلى ذلك باحتياجهم إليه، (والحيلة بنت الحاجة كما يقولون)؛ ثم أخذ المحنطون الفنيّون يتنافسون في هذه الصناعة، ويبرهن كل واحد منهم على أنه أقدر من صاحبه على حفظ الجسم سليما زمناً طويلاً. غير أنهم اقتنعوا بعد ذلك بأن الجسم مهما كان تحنيطه متقناً سيلحقه البلى على كل حال. وهنا تتعرض الروح للخطر، فلا مناص إذاً من أن يصنعوا لها مأوى آخر تقيم فيه إذا ما بلى الجسم فاخترعوا فن النحت. ولما كانت الأسطورة الدينية تشترط أن يكون هذا التمثال المحنط شبيهاً بالجسم الأصلي في كل تقاطيعه وملامحه دفعتهم هذه الوسوسة إلى الإجادة والإتقان في النحت بهيئة تعجز أكابر فناني العصور الحديثة.
عدد المصريين بعد ذلك التماثيل للشخص الواحد حتى جاوزت في بعض الأحيان مائة تمثال للدفين الواحد. وكان لهذا التعديد سببان: الأول الوسوسة الدينية التي كانت تقض مضاجعهم وتنذرهم بالأخطار المرعبة التي تتعرض لها الروح إذا أخطأ المثال في شئ ولو يسيراً من تقاطيع الجسم أو ملامح الوجه، فكان الإكثار من التماثيل يقيهم شر هذا الخوف المتسيطر. أما السبب الثاني فهو أن تكون الروح في عالم الآخرة غنية سعيدة بالتنقل من تمثال إلى تمثال ولكن منشأ هذا التعديد قد نسي بمرور الزمن ثم تطرقت إليه التأويلات المختلفة التي تلحق عادة كل عقيدة نسي اصلها. وكان أحد هذه التأويلات الكثيرة أن هذه التماثيل لم تصنع عبثاً، وإنما صنع كل تمثال منها لروح خاصة، لأن كل شخص يشتمل