للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الفن هو الواجب الوطني. واجب (السعي للحياة وخوض معركة التنازع على البقاء) وأنه لا يجوز لنا أن نقول بمقالة بعض الفرنجة (الفن للفن) لأن هذا هو القياس مع الفارق.

فأن لأولئك مدافع وأساطيل، وأن لهم كيانا واستقلالا، ونحن قوم يبنون لأنفسهم كيانا واستقلالا، فيجب أن نجمع قوانا كلها على هذا البناء، وأن نجعل الأدب في مقدمة هذه القوى، ونجعل الحوادث القومية موضوعا لآثارنا، أو لطائفة من آثارنا الأدبية. وكيف لعمري يهيج الشاعر العربي ويضيق الدنيا عليه حبيب يعرض عنه، وليلة وصل يخسرها، وابتسامة يحتجب عنه نورها، ولا يهيجه ويؤلمه مجد كان ينطح السماء أنهار في الأندلس، وأمل كان يملأ الدنيا ضاع في بواتيه. وأمة بقضها وقضيضها تفنى اليوم في فلسطين.!؟

أيجوز للشاعر وهو قلب الأمة الخافق أن يعيش في نفسه، ويقنع بأحلامه وعواطفه؟ أيعقل أن يعيش قلب منفردا مبتوراً لا تربطه بالجسد رابطة؟

الشاعر قائد في أمته، فهل يجوز للقائد أن يدع جنده، ويترك حربه ويغفل عن النار والحديد، ثم يجلس ليحلم بطيف حبيبه، أو يبكي على أنه لم يمنحه جسمه ساعة من زمان. أو يجلس ليصف (الجمال الفني) في ساحة المعركة؟

الأمة العربية جمعاء في نضال على الحياة. فكيف يفر الأديب من المعركة فيصب وهو الجندي الأول فيها مواهبه وقوته على قدمي امرأة؟

أو لست تعلم يا سيدي أن زعماء الفن الرومانطيقي في أوربا كهوجو ولامارتين، كانوا في رأس الوطنيين العاملين، والخطباء المفوهين، وكانوا إذا جد الجد شمروا عن ساعد العمل، وإذا أمن الناس ووضعت الحرب أوزارها ناموا فحلموا، فكان هذا الأدب مجموعة أحلامهم في منامهم. أن لامارتين نفسه يقول: (ما قيمة الرجل ينفق عمره، في التنقل بين أحلامه الشعرية في حين أن إخوانه يجاهدون بكل ما أوتوا من قوة وأيد في سبيل الوطن والعمران؟ أليس أليق يمثل هذا أن يكون ضحكة (مهرجا) وأن يبعث به مع العدد الموسيقية إلى الفرق العسكرية؟)

وأن الشعر القومي أبعد الشعر أثرا في نفس قارئه، لأن الشعور به مشترك بين أفراد الأمة جميعا، وأننا نقرأ القصيدة الأندلسية النونية فتبلغ منا على ضعف تأليفها ما لا تبلغه منا أي قصيدة؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>