ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اليوم أنتم عالةٌ، فلا يفلتن أحد منهم إلا بفداء أو ضرب عنق. . .
وروى إبن عباس عن عمر أنه قال: فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر: ولم يهو ما قلت، وأخذ منهم الفداء. فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدان يبكيان، فقلت: يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبكي على أصحابك من أخذِهم الفداء. لقد عرض عليّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة - لشجرة قريبة منهم - فأنزل الله عز وجل عليه (ما كانَ لِنَبيّ أنْ يَكونَ لَهُ أسْرى حَتى يُثخنَ في الأرْضِ، تُريدوُنَ عَرَضَ الدُّنيا واللُهُ يُريدُ الآخِرَةَ، واللهُ عزيزٌ حَكُيم. لَولا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لمسّكُم فِيما أخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظُيم)
فهذا هو المشهور بيننا في سبب نزول هاتين الآيتين (٦٧، ٦٨) من سورة الأنفال التي نزلت في غزوة بدر؛ وهو يفيد أن الله تعالى غضب على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه لهذا العمل الإنساني العظيم الذي أشار به أبو بكر، من البرّ بالأسرى والرفق بهم. وهذا مع أن الذي أشار به أبو بكر هو الذي يتفق مع ما جاء به الإسلام في شأن الأسرى، ومع ما امتازت به الحروب الإسلامية على الحروب السابقة من الإحسان إليهم. على أن الله قد نصر المسلمين في غزوة بدر نصراً عظيما، وشفى نفوسهم من صناديد قريش، فقتلوا فيها كلهم، ولم يفلت إلا قليل منهم، وكان منهم في الأسر النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط، فقتلهما رسول الله في طريقه إلى المدينة، ولم ينتظر بهما ما فعله في غيرهم من الأسرى. ولما اختار رسول الله رأي أبي بكر في الفداء قال له عبد الله بن مسعود: إلا سهيل بن بيضاء، فإني سمعته يذكر الإسلام، قال إبن مسعود: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما رأيتني في يوم أخوف أن تقع عليَّ الحجارة من السماء من ذلك اليوم حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلا سهيل بن بيضاء
ولم يبق بعد هؤلاء في الأسرى إلا العباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا عقيل بن أبي طالب أخو علي، وإلا أمثالهما ممن لم يكن من أولئك الصناديد. وقد حقق