الله في كثير منهم رجاء أبي بكر (لعل الله أن يتوب عليهم) فأسلم العباس بن عبد المطلب، وأسلم عقيل بن أبي طالب، وأسلم كثير غيرهما من أولئك الأسرى، والرأي الذي تحققه الأيام لا يليق بحكمة الله تعالى أن يغضب من إيثاره على غيره ذلك الغضب
وإن أرى أن الإسلام إذا كان قد أباح قتل الأسير مع ما أباحه فيه من الاسترقاق والإطلاق بفداء أو بدون فداء، فإنه يجب ألا يصار إليه إلا عند الضرورة القصوى والأسباب الموجبة. وإنه ليعجبني ما روى عن الحسن وعطاء رحمهما الله تعالى أنهما قالا: لا يُقتل الأسير، ولكن يُفادى أو يُمنُّ عليه، وكأنهما اعتمدا في ذلك ظاهر قوله تعالى:(فإذا لقيتُمُ الّذينَ كفرُوا فَضرْبَ الرِّقَابِ حتى إذا أثخنْتموهم فَشُدُّوا الوثَاقَ فإمَّا مَنَّاً بَعْدُ وإمَّا فِدَاءَ حَتْى تَضَعَ الحَرْبُ أوْزَارَها) - المبسوط للسرخسي ج١٠ ص٢٤ - وهذا الذي يذهب إليه الحسن وعطاء في الأسير هو الذي تذهب إليه القوانين الحربية الحديثة
ولهذا كله لا أرى أن السبب في نزول آيتي الأنفال هو إنكار الفداء الذي أشار به أبو بكر واختاره النبي صلى الله عليه وسلم على رأي عمر وعبد الله بن رواحة، ولاسيما أن هذا الفداء في غزوة بدر لم يكن أول فداء أخذه النبي (ص) من الأسرى، فقد أخذ الفداء فيما حصل قبلها من السَّرَايا، ولم ينكر الله عليه أخذه له، وكان ذلك في سرية عبد الله بن جحش إلى نخلة بين مكة والطائف، فرصد فيها عيراً لقريش تحمل زبيباً وأدماً وتجارة من تجارتهم، فيها عمرو بن الحَضرمي، وعثمان ونوفل ابنا عبد الله المخزوميان، والحكم بن كيسان مولى هشام بن المغيرة، فقتلت سرية عبد الله بن جحش بعضهم، وأسرت عثمان بن عبد الله والحكم بن كيسان، واستاقت العير إلى المدينة، فبعثت قريش في فداء الأسيرين، فقبل النبي صلى الله عليه وسلم فداءهما. فأما الحكم بن كيسان فاسلم وأقام بالمدينة حتى أستشهد يوم بئر معونة، وأما عثمان بن عبد الله فلحق بمكة ومات بها كافراً
والذي أراه أن تينك الآيتين نزلتا في أمر آخر حصل في غزوة بدر، وذلك أن تلك الغزوة كانت أهم قتال بدأ به المسلمون بعد هجرتهم إلى المدينة، وكانوا لا يزالون في نشأتهم قلة بالنسبة إلى قريش، وهذا إلى غيرهم من المشركين الذين تعج بهم الجزيرة، فاهتم النبي صلى الله عليه وسلم بأمرها، وأمر الله فيها المسلمين ألا تأخذهم في قتال المشركين راْفة ولا شفقة، وأن يثُخنوا فيهم إذا مكن لهم منهم، حتى يهي أمرهم، ويضعف شأن الشرك