الأمة إلا بما صلح به أولها). وهو دائرة معارف عربية يستطيع المرء أن يرى من خلالها العقل العربي وهو يضطرم في الشرق والغرب معاً، وأن يعيش حيناً بين أهل الرأي وسادة الفكر من العرب يحس نبضات قلوبهم وخلجات أفكارهم ونوازع أنفسهم، فيلمس - من قريب - آراءهم وخواطرهم، ويشرف على آمالهم وأمانيهم.
وإن القارئ ليجد خواطر المؤلف منبثة بين أضعاف الكتاب في سطور متناثرة هنا وهنالك، يستطيع الأديب المدقق أن يضم أشتاتها بعضاً إلى بعض لتصبح مبدأ يقول بأن الأمة توشك أن تنهار إن هي لم تتمسك جهدها بثلاثة أشياء متساندة مترابطة هي: اللغة والأخلاق والدين. فهو يوقن بأن (اللغة قبل كل شيء، لأنها العنصر الذي يقوم به أمجاد الأمة، فعلينا أن نعلم الولد كرامة أمته ومجدها في الكلمات العربية ليقرأها ويشعر أنه يشرف على مجده وعزته القومية من خلال الحروف والكلمات). وهو يؤمن بأن (الثورة التي تقوم في العالم على أساس الأخلاق، إنما تمهد للإنسانية فتنمو وتصعد إلى مستوى الملكوت. أما الثورة من أجل السياسة، أو العصبية للعنصر أو الوطن، فإنما هي مدعاة للتناحر لا تنفك تفتك في البشرية حتى تصب بها إلى العهد الذي نحن فيه: علم يصعد إلى السماء لينحل قنابل تتفجر أو مدافع تدمر فتعود بنا إلى دور الوحشية الذي تمسنا الحاجة فيه إلى أمثال موسى وعيسى ومحمد. . .) وهو يعتقد بأن (التعصب للدين ليس عقبة تصدم الإنسان في نهوضه إلى الحياة الحرة كما يتوهم من لا يفقه الدين، فإنا نرى اليهود في العالم كله يتعصبون لدينهم، ونراهم محسودين من جميع العالم، والعالم مسخر لهم، وهم بضعة عشر مليوناً. فلو تعصب المسلمون لدينهم تعصب اليهود - ودينهم مدني فوق كل دين - لكانوا المثل الأعلى على هذه الأرض. . .)
وهكذا يرى المؤلف أن اللغة والأخلاق والدين هي العمد الثابتة المتينة التي يجب أن تكون أساساً لرقي الأمة وسموها. . . وحبذا لو أخذنا بهذا الرأي، حبذا. . .
وإن الكاتب ليحس صعوبة شديدة في الكتابة عن هذا السفر لما فيه من آراء متفرقة وأبحاث متشعبة، بقدر ما يلمس القارئ في قراءته من لذة ومتعة. وإني لا أجد ما اقدم به هذا الكتاب إلى قراء العربية سوى أن أقول: إنه دائرة معارف تسمو بقيمتها وروائها.