والرغبة في التأثير على المشاهد بإشراك حواسه في الاستمتاع والسمو قبل الشعور بالرهبة والتأثر بالعظمة.
وهذا ما انبني عليه تقهقر النحت التذكاري والتجسيم المعماري وتقدم التماثيل المستقلة ذات الفكرة المحدودة. وهكذا ترى انتشار التماثيل الرخامية (لاسيما في اتيكا) واختفاء غيرها من تلك التي كانت تنحت من سن الفيل والذهب، هذا فضلاً عن الكيفية التي سار عليها النحات لإبراز التفاصيل دقيقة وإظهار القدرة في القطع الرائع.
تم هذا على أيدي فنانين مبدعين الذكر منهم ديمتريوس وسيلانيون الأثيني وسكوباس الذي يعد أول نحات إغريقي في القرن الرابع قبل الميلاد. كما يعتبر في مقدمة زعماء المدرسة الأتيكية الحديثة.
بعد هذا التطور وفي وسط هذا المحيط نشأ الفنان العظيم بركسيتلس بن كيفيسودتس الذي ينتمي إلى عائلة أتيكية. وكان أصغر سناً من سكوباس فرأى الكثير قبل البدء، كما أنه أقام معظم سني حياته في أثينا حتى عصر إسكندر الأول، وقد خلدت شهرته كنحات للرخام دون غيره بالرغم من أن له بعض قطع عملها من البرنز
وبدراسة ما تركه هذا النحات الفذ نحصل على قسط وافر من ميزات طابعه الشخصي الذي يتلخص في أنه عنى عناية فائقة ونجح نجاحاً باهراً في التعبير عن الجمال النابض، واختار مادته منه في ربيع الحياة، فمثل الشباب تمثيلاً رائعاً خلاباً وأبرز أسمى صفاته وهي الصبا والزهو والقوة والنشاط وحسن التكوين.
وهذا لا يمنع من وجود بعض القطع التي مثلت ناحية الجد والنضوج، فجمع بين حالتين جعلت منه أستاذاً في تصوير العوامل النفسية دون نزاع. كل هذا بالنظر إلى الدرجة العليا التي وصل إليها في هذا المجال؛ فمن الهدوء إلى الحركة ومن اللين إلى العنف فضلا عن أنه جاء بجديد له قيمته العظمى في دراسة فن النحت، فقد استطاع الجمع بين التكوين الجسماني في وضع ما، وبين ما يلائم هذا الوضع من ملامح ترتسم على الوجه وتنسجم مع تكوين الرأس فكأنه اكسب رؤوس تماثيله حياة اتفقت مع تمثيل الواقع، وانسجمت مع المجموع الإنشائي، فجاءت دليلا على أن الفنان بلغ الذروة في دقة الإخراج من ناحيتيه الفنية والعملية، كما أنه سار بالنحت خطوات واسعة نحو التأنق في التكوين.