فانثال على الدولة والكنيسة بحملة متطرفة شعواء، نقضت ما كان لهما في نفوس الناس من الجلال والاحترام، وكان يعلق كبير الأمل في التخلص منهما، وفي تحقيق مثله الأسمى على تلك الأفكار الثورية التي تلقحت بها عقول الناس من كتابات فولتير وروسو ومنتسكيو، والتي كظمت مدة ثم انفجرت بالثورة الفرنسية، ولكن للشد ما أسف إذ رأي ما منيت به أفكار الثوار من الإخفاق.
ولما اندلعت نيران الثورة في أسبانيا ونابولي وأثينا ثانية بدت له - في عالم الخيال - بارقة أمل جديدة في تحقيق مثله الأسمى، فاخذ يتغنى بهمة الثوار ويستفز حميتهم بشتى القصائد الرائعة كقصيدة (نابلي) وقصيدة (هيلاس) ولكن الثورة اشتدت ووضعت أوزارها، دون أن تحقق له غرضاً من أغراضه التي مات وهو مُصر عليها برغم ما لقيه من قوة السلطة وصدمة الحوادث.
فكرة شلي عن الله
يرى شلي أن فكرة الإنسان عن وجود الله تشوه جماله كما يشوه الزجاج الملون منظر الأجسام التي من ورائه. وأنها فكرة خاطئة تتناقض ومبادئ العدل والإنسانية العليا. ويقول إن الله لم يخلقنا لكي يبعث بنا في الآخرة أو يجزي شرورنا بمثلها لأنه رحيم لا حد لرحمته، ولأن الانتقام من صفات الإنسان وليس من صفاته فهو والحالة هذه يشبه عمر الخيام إذ يقول:
إذا كنت تجزى الذنب مني بمثله ... فما الفرق ما بيني وبينك يا ربي
ويستأنف في قوله إلى أن ليس لله كيان مستقل بذاته بل هو متمثل في جميع مظاهر الكون وكائناته من إنسان وحيوان. فليس ما نشعر به في عواطفنا من عوامل الخير والفضيلة والإحسان والشفقة أو ما نشاهده في الدودة التي تعيش في باطن الأرض من المحبة والاطمئنان إلا من مظاهر ذلك الإله العادل.
لقد تصور شلي في الإنسان أسمى ما يمكننا تصوره، وراح يعرض هذه الصورة الجديدة على معاصريه المتزمتين بلسان عي؟ وخلق سرى، بل بيد جذاء وكنانة جوفاء إلا من ذخيرة الأيمان بدعوته. ولذا فلا عجب إذا وقرت دونه آذانهم، بعد أن أذاقوه من لاذع النقد ومر التقريع شأن ما يلقاه أصاحب البدع في كل جمهور متزمت.