للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فرض منهما عوقب من مقته بالخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة. .!!، ولكنه لا يخلص من هذه النتيجة إلا بعد أن يدعمهما بكثير من آيات التنزيل ومأثور السنة ومواقف الإسلام. .

فما هذا؟ أهي أحلام المجد، ونعرات مثالية كانت تملأ رأس الرجل وتفعم وجدانه؟ أم هي دعوة إلى الممكن يؤدى إليهما الإمكان ويحتملها الجهد؟! يبدو لنا أن الأفغاني وضع أمامه صورة الإمبراطورية الإسلامية في عصرها الزاهر، وسلطانها الغالب، وأخذ يرسم للمسلمين صورة مماثلة لها ويضعها أمامهم الغاية الرشيدة التي يجب عليهم بلوغها والأخذ بأسبابها، فكان صنيعه هذا كصنيع الحكماء فيما تصوروه في قيام (المدينة الفاضلة)، كل ما عندهم أن يصح الرأي في أذهانهم ولا شأن لهم إذا لم يصح في عالم الواقع الذي عليه الناس، وهكذا راح الرجل يموج في أمل طويل عريض، ويقف بالرأي عند غاية نحتاج في إدراكها إلى رجال وحبال كما يقولون، وفاته أنه كان يهز جسماً فقد حيويته، وينادى على عالم ضاعت معالمه، فليس هذا مما يكفي في إيقاظه، ولكنه كان يحتاج إلى بعث جديد، وخلق من طراز آخر.

فالأفغاني لم يكن في أمله هذا بالرجل السياسي الذي يرسم طريق الخلاص على ما تسمح به الظروف والملابسات، وما يمكن أن يكون في عالم الواقع الماثل بما يصح أن تبلغه الجهود ويؤدي إليه الاستعداد، ولكنه كان ينزع نزعة مثالية يضع بها الأمل فوق العزم، وينتهي فيها إلى غاية أكبر من الجهد، وهل كان من الممكن أو من المعقول أن ينهض العالم الإسلامي الذي فرقه الاستعمار، وقتله الجمود، وفقد كل عدة مادية، وقوة معنوية، فيقف بين عشية وضحاها جبهة مدافعة، وقوة متسلطة، أمام الغرب الطاغي، والاستعمار الزاحف بما لا مثيل له في التاريخ من أساليب السياسة والفكر، وافانين العدة والذخر، فيا ليت شعري، ألم ير الأفغاني، وهو الذي طرف بكثير من أنحاء الدنيا كيف كان الغرب يسير بالبخار وبالكهرباء على حين كان الشرق في ذلك الوقت لا يزال يركب الجمل؟!.

إنها في الواقع حقيقة لم تغب عن فطنة الأفغاني، ولم تغرب عن إدراكه النافذ، فعلى الرغم من أنه كان يثق ثقة كبيرة بالقيمة العددية واحتشاد الجموع، فأنه لم يقف بأمله عند تحقق الوحدة وجمع الكلمة، بل أخذ يدعو إلى الاستعداد المادي (واكتناه أسباب تقدم الغرب

<<  <  ج:
ص:  >  >>