للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والوقوف على تفوقه وقدرته)، وإنه ليضرب للمسلمين المثل في ذلك بأمة الروس، وهي كما كانت (أمة متأخرة في الفنون والصنائع عن سائر أمم أوروبا، وليس في ممالكها ينابيع للثروة، ولكن كانت، فليس هناك ما يستفيضها من الأعمال الصناعية، فهي مصابة بالحاجة والفاقة والعوز، غير أن تنبيه أفكار آحادها لمل به يكون الدفاع عن أمتهم، واتفاقهم على النهوض به، وارتباط قلوبهم صير لها دولة تميد لسطواتها رواسي أوروبا. لم يكن للروسيا مصانع لمعظم الآلات الحربية ولكن لم يمنعها ذلك عن اقتنائها، ولم يرتق الفن العسكري إلى ما عليه جيرانها، إلا أن هذا لم يقعد بها عن جلب ضباط من الأمم الأخرى لتعليم عساكرها حتى صار لجيشها صولة تخيف، وحملة تخشاها دول أوربا. .)

وهذا صحيح، صحيح في عالم المعقول، وفي عالم الإمكان، وهنا يسير الأفغاني بأمله في الوحدة إلى طريق عملي، ويهدي إلى أسلوب واقعي، كان من الضروري أن يكون في إدراك الغاية، وبلوغ الهدف، وهو الذي كان فعلا فيما أخذت به الأمم الإسلامية في نهوضها وفي توثبها إلى حياة العزة والحرية، وما من شك في أن الأفغاني كان يعلم أن هذا الطريق يستغرق في اجتيازه مسافة من السنين والأعوام، وأنه لا يؤدي إلى نتيجة عاجلة يستطيع العالم الإسلامي بلوغها في أيام، ولكنه على الرغم من ذلك كان ينادي وبهيب ويتعجل الغاية ويطمع أن يرى القوم عندها بين طرفة عين وانتباهتها، وهنا يبدو الأفغاني مرة أخرى مسرفاً الأمل، مغرقاً في الرجاء.

إن بناء الأمم والشعوب يتمشى مع الزمن وتطور الأيام، ولن تستطيع دعوة من دعوات الإصلاح أن تؤتي ثمرها وأن تتحقق النتيجة من ورائها إلا إذا نضجت واستوت وأشربتها النفوس والقلوب عقيدة راسخة ثابتة، فالمبادئ التي نادت بها الثورة الفرنسية لم تستطع القوة أن تحققها طفرة، ولم تقدر المقصلة أن تفرضها رغباً ورهبة، ذلك لأن الزمن لم يكن قد أنضج تلك المبادئ بعد، فشبت الثورة واستطار لهيبها في أرجاء العالم، ثم همدت وماتت وقد خلفت من ورائها تلك المبادئ يحققها الزمن بما في قدرته على الإنضاج والتسوية، ولا يزال الزمن يجد في تحقيقها إلى اليوم. وكذلك كانت الثورة العرابية، تلك الثورة التي قامت كما نعلم تروم خطة واسعة وغاية كبيرة كانت لا تزال نجوى في المجال الفكري والعقلي عند القادة، ولم تكن قد انحدرت بعد إلى قلب الشعب في مكان العقيدة، ولهذا فشلت الثورة

<<  <  ج:
ص:  >  >>