للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وقلت المعرفة وضعف الوجدان كالقادة والطغاة. والعجب في أمر السيد جمال الدين الأفغاني أنه مكتمل جوانب الشعور كيفية وكمية؛ فبينما نراه من ناحية المعرفة نابغة عصره وباقعة زمانه نراه قوى الوجدان مرهف العواطف يحس بالألم مع الإنسانية كافة أفرادا وجماعات، ويشمل السرور جوارحه إذا ما رأى الخير شاملا لبنى الإنسان. وبينما كذلك من كثرة المعرفة وقوة الوجدان في النزوع إلى العمل والتوجه إلى الهدف كالصاعقة المنقضة والشهاب الثاقب والسهم المنطلق والأسد الكرار، ينصب على هدفه انصبابا قويا عنيفا حازما لا يعوقه كل ما في الحياة من صعوبات ومتاعب، يقتحم ولا يبالي ما يعترضه من صعوبات وأخطار، أجيال حديد أم جبال نار.

أما تفاعل جمال الدين مع بيئة وأثر ذلك التفاعل مع تلك البيئة فهو ما أتحدث عنه الآن.

اختلف مؤرخو حياة جمال الدين في تعيين موطنه الأصلي هل هو إيران أو أفغانستان؛ فبعضهم قال أنه إيراني الأصل أفغاني النشأة، وبعضهم جزم بأنه أفغاني الأصل والنشأة، ولكنهم اتفقوا اتفاقا تاما على أنه ولد في مدينة أسد آباد أو أسعد آباد من أعمال كنر في الأفغان وذلك سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة وألف ميلادية أي في أواخر النصف الأول من القرن التاسع عشر. وأن أباه يدعى السيد صفتر أو صفدر ومعناه بالفارسية الشجاع المقتحم، وأن عائلته ذات حول وطوال ونفوذ وسلطان في مقاطعة كنر خصوصا وبلاد الأفغان عموماً لانتسابها إلى السيد علي الترمذي المحدث المشهور الذي يتصل نسبه بالحسين بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.

ولد السيد جمال الدين الحسيني الأفغاني وأهله وعشيرته في ذروة العز وسامت المجد فقضى ثماني سنين يتقلب بين أعطاف العز والمجد ويرتع في أحضان العظمة والسلطان. حتى امتدت إليها يد الأمير دست محمد خان آل إليه الأمر في الأفغان بعد انقسامات وحروب طويلة وعريضة، فسلب من تلك العائلة الكريمة ملكها وسلطانها وأجلاها عن أرضها وموضع عزها ونقلها إلى مدينة كابول عاصمة الملك لتظل تحت سمعه وبصره فيأمن انتفاضها ويضمن خروجها عليه ومزاحمتها له. قضى جمال الدين الطفل في مدينة كابل عشر سنين تلقى فيها العلوم العربية: التاريخ والشريعة والتفسير والحديث والمنطق والتصوف والرياضيات والفلك والطب وغيرها من العلوم النظرية العلمية. ثم عرض له

<<  <  ج:
ص:  >  >>