أن يذهب إلى الهند لاستكمال علومه على الطريقة العصرية فذهب إليها وقضى فيها ردحا من الزمن عبء فيه من العلم ما وسعه عقله الكبير وهمته العالية. فهل يرجع إلى كابول وفي نفسه منها حزازات وجروح:
واحتمال الأذى ورؤية جانبه ... غذاء تضوي به الأجسام
أم يذهب لأداء فريضة الحج، يؤدي فرضاً لله عليه ويسري عن نفسه الكبيرة ما تحس من الألم لما أصاب عائلته من تغريب، ووطنه من فوضى واضطراب؟ ذهب إلى الحج ولكن بعد أن رسم لنفسه خطة سفر تمكنه من زيارة أنحاء الجزيرة العربية لدراسة بلاد العرب دراسة علو ودراسة سياسية. درس جزيرة العرب وأدى فريضة الحج فهفت به نفسه قائلة: لابد مما ليس منه بد. لابد من العودة إلى الأفغان. عاد إلى الأفغان وشاء الله له أن يصبح في سلك رجال حكومة دوست محمد خان، وما لبث أن نال إعجاب الأمير واحترامه وأصبح أشد لزوماً له من الهواء والماء، فصحبه في حروبه وغزواته كما صحب شاعر القوة أبو الطيب المتنبي سيف الدولة في حروبه وغزواته مع الفرق بين صحبة الرجلين لصاحبيهما، فأبو الطيب صحب سيف الدولة لأوقات الفراغ وساعات التسلية. وأما جمال الدين فصحب دوست محمد لأوقات الشدة وساعات الخطر. سار دوست محمد إلى مدينة هراة ليفتحها وسار معه جمال الدين فحضر المدينة وضيق عليها ابتغاء فتحها، وكان جمال الدين العقل المدير لدوست محمد واليد الحازمة له في عمله الحربي؛ ولكن شاء الله أن يموت الأمير قبل فتح المدينة ففتحت على يد جمال الدين. وهناك ولى الإمارة بشير علي خان أصغر أولاد دوست محمد فأشار عليه وزير من وزراء السوء أن يقبض على أخوته ويعتقلهم خوفاً من مزاحمتهم له، وكان من أولئك الإخوان في جيش هراة الفاتح ثلاثة وهم محمد أعظم ومحمد أسلم ومحمد أمين. فأنتصر جمال الدين لمحمد أعظم ودافع عنه عند الأمير فلم يفلح، فعلم الأخوة بما يبيته لهم أخوهم فذهب كل واحد منهم إلى ولايته التي كان يلها من قبل واعتصم بها فاندلعت نار الفتنة في البلاد واشتدت وطأة الحروب بين الأخوة المتقاتلين حتى آل الأمر إلى محمد أعظم فارتفعت منزلة جمال الدين عنده فأحله محل الوزير الأول وعظمت ثقة الأمير به حتى أصبح لا يورد ولا يصدر إلا عن رأيه. ولكن هيهات أن يستتب أمن في بلاد يجاورها الإنكليز. فقد أخذ الإنكليز يمدون أصابعهم إلى هذه