صفاتها، ونقرأ فيها خلائقها وعاداتها، وليس بحثاً فيها من حيث وثاقة رواتها، أو الوضع في أبياتها، ولكنه رأى في سبب وتسميتها، ثم ما يحتاج من توجيه وتعضيد، وإنحاء على الآراء الأخرى بالمحاجة والمجادلة ثم التوهين، وهذا بحث جليل لا يضع من قيمته جزئية موضوعه، مادام متمشياً مع الأسلوب العلمي، قائماً على أصول البحث الصارمة.
يقول الأستاذ في سبب التسمية:(فهذه المعلقات معلقات مما حدث للناس بعد جمعها من حبهم لها وتتبعهم إياها بما كانوا يتتبعونها به من حفظها وشرحها، وهي معلقات بمعنى محفوظات أو مشروحات، وقد خصت بهذا الاسم لأنها كانت أول ما عنى بجمعه وتدوينه وحفظه وشرحه من الشعر).
فهو يذكر هنا سببين متداخلين: الحب والتتبع، ثم التتبع بالحفظ والشرح، وما أدري فيهم هذه المعاظلة؟. أما كان الأدنى إلى الاستقامة أن يقتصر على السبب الأول، ويكون ما بعده مرتباً عليه، راجعاً إليه ناتجاً منه، فيكون سبيل التسمية هو هذه الدرجة الرفيعة التي قدرها الناس لهذه القصائد، فتعلقوا بها، وأولها حبهم وإعجابهم، وما يمليه عليهم الحب والإعجاب من القيام عليها بالاستظهار والشرح، أما التعليق بمعنى كتابة الشرح على المتن فما نسحبه مما كان يسوغ في عرف اللغة حينذاك.
هذا هو الجديد فيما يزعم الأستاذ، ولوددت والله لو كان جديداً حقاً، فنرفع به رءوسنا تيهاً وفخراً، ولكنه رأي مقرر، يدرسه طلاب المعلقات فيما يدرسون من الآراء فيها منذ أصبح لدراسة المعلقات في مصر سبيل علمي معبد، وأسلوب جامعي ثابت، فليس الجديد في حقيقة الأمر إلا اعتبار هذا الرأي جديداً اليوم.
وإذا كان لابد من ثبت لما ندعيه من قدم هذا الرأي وإمعانه في الشيوع بين جمهرة العلماء، فها هو العلامة المستشرق الجليل نولدكه وهمك به من علامة ذائع الصيت، يقول في الفصل الذي كتبه عن المعلقات في دائرة المعارف البريطانية، وهي أدنى ما يقصد إليه الباحثون:
(إن قصة القول بأن هذه القصائد كتبت بالذهب ترجع إلى تسميتها بالقصائد المذهبات، وهي تسمية مجازية للدلالة على عظم أمرها، وكذلك يجب أن نؤول تسميتها بالمعلقات على هذا الأساس نفسه، فمن المحتمل جداً أن تعنى هذه التسمية أن هذه القصائد قد سمت إلى