للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الملكوت، وجالت فكرهم بين سرايا حجب الجبروت واستظلوا تحت راواق الندم وقرءوا صحيفة الخطايا فأورثوا أنفسهم الجزع حتى وصلوا إلى علو الزهد بسلم الورع فاستعذبوا مرارة الترك للدنيا، واستلانوا خشونة المضجع حتى ظفروا بحب النجاة وعروة السلامة، وسرحت أرواحهم في العلى حتى أناخوا في رياض النعيم وخاضوا في بحر الحياة وردموا خنادق الجزع وعبروا جسور الهوى حتى نزلوا بفناء العلم واستقدموا من غدير الحكمة، وركبوا في سفينة العطية وأقلعوا بريح النجاة في بحر السلامة حتى وصلوا الرياض الراحة ومعدن العزة والكرامة).

وتحدث ذو النون عن أسفاره التي كان فيها ينشد سبل الخلاص من شوائب الحياة وأكدارها قال: (لقد حصلت في أول أسفاري علما يرضى الخاصة والعامة، وحصلت في ثانيها علما يرضى الخاصة دون العامة، وفي ثالث أسفاري حصلت من العلم ما لم ترض به لا الخاصة ولا العامة، فغدوت شريدا طريدا. لقد حصلت من العلم في المرة الأولى التوبة وهي مقبولة لدى الخاصة والعامة على حد سواء وفي المرة الثانية وصلت إلى التوكل على الله ومعاملته ومحبته وهي شئون تتقبلها الخاصة ولا تتفهمها العامة، وفي المرة الثالثة وصلت إلى الحقيقة التي تسمو على العلم والعقل فأعرضها عنها ولم يتفهماها).

لقد كان ذو النون في بادئ الأمر متنسكا ينشد الوحدة ويبتغي العزلة، ليدرب نفسه على كبح رغباتها حتى تغلب عليها، فسار في طريق التوبة والتطهر حتى من الله عليها بهبة المعرفة فأصبح في آخر الأمر صوفيا عارفا بالله. وقد وافاه الأجل بمدينة الجيزة سنة ٢٤٥ للهجرة. ومما يروى عن جنازته أن كان الطير تتجمع في السماء وتظلل نعشه. وأنه بعد وفاته ظهر على قبره مكتوب: ذو النون حبيب الله، من الشوق قتل الله.

(أسيوط)

عبد الموجود عبد الحفيظ

<<  <  ج:
ص:  >  >>