للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فالعودةإلى الله لا بد من تطهير النفس من الشرور وكبح جماحها عن الرغبات ومن أية صلة أخرى غير الصلة بالذات العلية ومن تعاليمه في ذلك: (لا تصحب مع الله إلا بالموافقة ولا مع الخلق إلا بالمناصحة، ولا مع النفس إلا بالمخالفة، ولا مع الشيطان إلا بالعداوة).

وذل النفس ضروري للروح التي تأمل في أنس الله والقربمنه، فكلما ازداد العارف في إذلال نفسه وإخضاعها ازداد قربا من الله، فيقول (وما أعز الله عبداً بعز، أعز له من أن يدله على ذل نفسه) لأن المريد عندما يبصر القوة السماوية وتتملكه عظمة خالق السماوات والأرض يدرك كم هو ضئيل بالنسبة لهذه القوى فيمتلئ تواضعا. . . . وفي ذلك يقول ذو النون (من أراد التواضع فليوجه نفسه إلى عظمة الله تعالى فإنها تذوب وتصفو. ومن نظر إلى سلطان الله ذهب سلطان نفسه، لأن النفوس كلها فقيرة عند هيبته وجبروته).

وكانت المعرفة أهم الموضوعات من تعاليمه، فهو أول الصوفيين الذين تعرضوا للكلام عنها. ومن تعاليمه في المعرفة أن المعرفة بالله ثلاث، أولاها معرفة التوحيد التي هي ملك المؤمنين جميعا. وثانيتها معرفة الحجة والبيان وهذه هي معرفة الفلاسفة وعلماء الدين. وثالثتهما معرفة صفات الله وهي معرفة أولياء الله الذين يتأملون الله بقلوبهم فيكشف لهم عما لا يكشفه للآخرين فيقول: (علامة العارف ثلاث: لا يطفئ نور معرفته نور ورعه ولا يعتقد باطنا من العلم ما ينقض عليه ظاهرا من الحلم ولا يحمله كثرة نعم الله عليه، وكرامته على هتك أسرار محارم الله تعالى).

والمعرفة تقود إلى الحيرة، ولكنها حيرة على نوعين: حيرة العامة وتؤدى بأصحابها إلى الزندقة والضلال، وحيرة الخاصة وهي تسبب عن الاكتشاف، فهي الحيرة التي تدوم وتبقى. في ذلك يقول (التفكير في ذات الله تعالى جهل، والإشارة إليه شرك، وحقيقة المعرفة حيرة).

وكما أن المعرفة تؤدى إلى الحيرة فهي كذلك سبيل الاتحاد بالذات العلية، وفي ذلك قال: (إن الله عبادا نصبوا أشجار الخطايا نصب أعينهم وسقوها بماء التوبة فأثمرت ندما وحزنا من غير جنون، وتبلدوا من غير وعي ولا بكم، وإنهم لهم البلغاء الفصحاء العارفون بالله وبرسوله، ثم شربوا بكأس الصفاء فورثوا الصبر على طول البلاء، ثم تولهت قلوبهم في

<<  <  ج:
ص:  >  >>