للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

العصر، ثم جلس ولم يتكلم، فطلبت منه أن يدعو لي فقال: آنسك الله بقربه. فطلبت منه المزيد، فقال: من آنسه الله بقربه أعطاه أربعا. عزا من غير عشيرة، وعلما من غير طلب، وغنى من غير مال، وأنسا بغير جماعة. ثم شهق فلم يفق إلا بعد ثلاث وأنا منتظر، فما أفاق فال: انصرف عني بسلام. فقلت أوصني قال: أحبب مولاك ولا ترد بحبه بدلا).

عاد إلى مصر وقد روى ظمأه، وأخذ ينادي بتعالميه بين قوم ران الجهل على قلوبهم وعميت بصائرهم فم يفقهون قولا - وكان أول من تكلم عن علوم المنازلات، فأنكر عليه أهل مصر هذا واتهموه بالزندقة والخروج عن الدين لأنه لم يكن لهم بهذا العلم عهد، فقالوا أحدث علما لم تتكلم فيه الصحابة - فاضطهدوه وسعوا به إلى الخليفة المتوكل، فبعث إلى عامله على مصر فأرسله أليه، فألقى به في السجن، ولكن أصدقاءه وتلاميذه طلبوا له العفو من الخليفة وما زالوا به حتى أخرجه من السجن، وجمع العلماء ليناظروه. وتحدث أبو الفيض وتحدث العلماء فما زال كلامه يعلو وكلامهم يهبط حتى صمتوا جميعا وتحدث وحده. ثم وعظ الخليفة، فبكى بكاء مرا وندم على سجنه وقال: إذا كان هذا زنديقا فما في الأرض مسلم. ورده مكرماً. فدوى اسمه في الآفاق وأقبل عليه الناس من كل صوب وحدب يلتمسون العلم عنده ويطلبون الرشاد على يديه.

وكان يعلم تلاميذه التوبة ويلقنهم كبح جماح جماع النفس والإقلاع عن الغواية. وقد كان يفرق بين توبة الإنابة التي ترجع إلى خشية العقاب والخوف منه، وبين توبة الاستحياء التي تستند إلى الاستحياء من رحمة اله سبحانه وتعالى. وكان يقول التوبة ثلاث: (توبة العوام وهي عن المعاصي، وتوبة الخواص وهي التوبة عن الإهمال، وتوبة المعرفة وهي التوبة التي تعنى الإعراض عن كل شئ سوى الله).

ومن تعالميه عن الروح أن النفس هي العقبة الكأداء في سبيل الكمال الروحي لأنها خاضعة لرغبات النفع الذاتي، ولذلك وجب على المتطلع الى الله أن يحارب نزواتها ويتغلب عليها. ولما سئل عن الحجب الموجودة بين الله والروح هو أعظمها أثرا في إخفاء رءية الحقيقة قال: (أخفى الحجاب وأشده رؤية النفس وتدبيرها).

ويقول إنه يمكن عن طريق كبح جماع النفس تخليص الروح من العقبات النفسية وإعادتها إلى أصلها الأول من الطهارة والنقاوة فتعود إلى اتصالها بالله.

<<  <  ج:
ص:  >  >>