للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

العميق، وتصطدم مع واقع الحياة اصطداما مرا، ثم وجدوا أنفسهم مسيرين في إضفاء القداسة على أشخاص المؤلفين، لا ينقص لهم رأي، ولا تنقض لهم قاعدة، مع أنهم بشر أيا كانوا، يخطئون ويصيبون على السواء فكان الإيمان المطلق، وما اكثر ما يجنى الانقياد الأعمى على حقائق الأشياء!

وأنا حين أعرف لهذا المعهد بمثل هذه الصراحة، لا يمنعني غل في النفس أو مرض في الرأي، أن أعترف أن فيما يدرس هناك، كتبا لها قيمتها واعتبارها، ولها مكانها في عالم البلاغة والأدب، ويرجى منها كبير فضل لو أتيح لها المدرس الصالح!.

ولكن، أين هو المدرس الصالح؟. . وقد أفقدت السياسة الأزهر صوابه، فاضطربت فيه مقاييس الأخلاق وموازين الرجال وجعلت منه مجالا فسيحا لنمرة العصبية، وشحناء الحزبية، فعلا أناس مكانهم في الحضيض، وفات الركب آخرون كانت النصفة تقضي، أن يكونوا في مقدمة الصفوف، ولا يرجى من تافه علا نفع، ولا من عزيز امتهن فائدة!. . . والعربية في كلا الحالين هي الخاسرة، والطلاب هم الضحايا!!

وإذا كانت الصراحة رائدى، فأنا أجد في نفسي الشجاعة لأقول: أن هيئة التدريس في كلية اللغة أجمالا، لا تتناسب وجلال المعهد وعظمة رسالته، وما يرجو له المخلصون من بقاء ودوام. ولست أعرف فيما أذكر من كليات مصر والعالم، أن هيئة تدريس جامعية، لا يجيد أساتذتها أكثر من لغتهم التي ولدوا بها، غير كلية اللغة، وتلك تقيصة ما كنت أحب أن يوصموا بها، في عالم أضحى كتلة واحدة، وتلاشت فيه الحدود والحواجز، لم يعد في طوع شخص مثقف، أن يستقل فيه بفكره وآرائه، بعيدة عن مؤثرات الفكر وتياراته العالمية!. .

وتستطيع أن تلمح أثر هذا التقصير واضحا، في متابعة ما يؤلف من كتب، وما يصدر من صحف، وما ينشر من بحوث وما يدرو من مناقشات، هل تحس لهم كلمة، هل تسمع لهم رأيا؟ سؤال ما أظنه يحتاج إلى جواب!

كان في وسع الأزهر أن يتلافى هذا النقص، وأن يدفع عن نفسه، هذه المعرة، لو مد يده إلى الأدباء والمفكرين، ممن بنوا مجدهم العلمي على أسس متينة، وبجهاد مضن، وما عليه من بأس، فكل جامعات العالم تسد نقصها، لما تجد من أساتذة متخصصين أني وجدوا. والعالم لا وطن له، والحقيقة واحدة وإن تعددت المذاهب والأجناس والأوطان!

<<  <  ج:
ص:  >  >>