بخلدهم الاستعانة بالله في عملهم، وبينما هم يستعجلون قدوم الصباح، ويحلمون بالثروة التي ستدرها عليهم حديقتهم، طاف على تلك الجنة طائف أباد ثمرها وهم نائمون، وفي بكرة الصباح أسرع بعضهم ينادي بعضاً أن الخير في البكور، فانطلقوا لا تكاد تسمع لأقدامهم وقعاً، يتهامسون وهم يتحدثون، كي لا يسمع مسكين صوتهم فيتبعهم، ولقد وصلوا إلى حديقتهم، واطمأنوا إلى أنهم سيقدرون على إحراز غلنهم. ومنع المساكين منها، فما راعهم إلا أن وجدوا أشجارهم بلا ثمار، وجنتهم جرداء مقفرة؛ هنالك ملأ الندم قلوبهم، وأخذ بعضهم يلوم بعضا، يتحسرون على أمل قد ضاع، وعلى ما اقترفوه من ظلم وطغيان. أرأيت هذا العذاب الذي صار إليه القوم، عذاب من فقد أمله، وقد كان قريباً من يده، وعذاب من يؤنبه ضميره على جرم اقترفه، وقد رأى جزاءه أمام عينيه. ألا ترى أن هذا العذاب النفسي الأليم جدير بأن يكون مثالاً ينذر به الله كل من يتصرف تصرف أصحاب هذه الجنة.
وهي أيضاً للتشبيه في قوله سبحانه:(ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً؛ تبتغون عرض الحياة الدنيا، كذلك كنتم من قبل، فمن الله عليكم، فتبينوا)، وقوله تعالى: قالوا: بل وجدنا آباؤنا كذلك يفعلون (وما على نسق هذه الآيات، مما تعقد فيه الكاف صلة بين أمرين.
وتأتي كاف (كذلك) في كثير من الآيات بمعنى مثل، في قولك: مثلك لا يكذب، تريد: أنت لا تكذب، وفائدة مجيء مثل الإشارة إلى أن من له صفاتك لا يليق به أن يكذب. تجد ذلك في مثل قوله تعالى:(ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله، وتثبيتاً من أنفسهم، كمثل جنة بربوة، أصابها وابل، فآتت أكلها ضعفين، فإن لم يصبها وابل فطل، والله بما تعملون بصير، أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب، تجرى من تحتها الأنهار، وله فيها من كل الثمرات، وأصابه الكبر، وله ذرية ضعفاء، فأصابها إعصار فيه نار، فاحترقت؛ كذلك يبين الله لكم الآيات، لعلكم تتفكرون)، فالمعنى على أن الله يبين الآيات، ذلك البيان الجلي الواضح المؤثر، لعله يثمر ثمرته، فيدعو سامعيه إلى التفكير والتدبير، ذلك هو ما أفهمه من هذا التعبير، ولا أفهم أنه يريد أن يبين آيات غير هذه الآيات، بياناً يشبه بيان الآيات السالفة، وإذا أنت حاولت عقد التشبيه على حقيقته، رأيت فيه تفاهة وقلة غناء. وخذ قوله تعالى: (إن الذين كذبوا بآياتنا، واستكبروا عنها، لا تفتح لهم أبواب