السماء، ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط، وكذلك نجزي المجرمين)، فليس المراد - على ما يظهر لي - أن المجرمين يجزون جزاء يشبه الجزاء المصوف في الآية الكريمة، وإنما يجزون هذا الجزاء نفسه ومن غلق أبواب السماء في وجوههم وأنهم لا يدخلون الجنة أبداً. واقرأ قوله تعالى:(تلك القرى نقص عليك من أبنائها، ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل، كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين)، تر المراد أن الله يطبع على قلوب الكافرين، ذلك الطبع الذي يحول بينهم وبين الإيمان بما كذبوا من قبل. وإذا أنت حاولت عقد تشبيه، لم تجد فيه كبير غناء، إذ يصير المعنى، يطبع الله على قلوب الكافرين طبعاً يشبه طبعه على قلوب الكافرين وفي ذلك ما فيه من ضياع قيمة التشبيه.
فمن هذا يبدو أن التشبيه في هذه الآيات وأمثالها غير ملحوظ، وإنما يراد توجيه النظر إلى ما سبق هذه الأداة فحسب وتأتي الكاف حينئذ إشارة إلى أن ما ذكر في الآيات وأشير إليه، قد بلغ من الكمال مبلغا عظيما لدرجة أنه صار نموذجاً كاملاً، يمكن أن يتخذ مثالاً، يشبه به سواه، فقد أفادت الكاف بلوغ المعنى تمامه.
وتأتي (كذلك) أيضاً لتحقيق المعنى وتثبيته، ولا يبدو فيها التشبيه، كما تجد ذلك في قوله تعالى:(قالت: أنى يكون لي غلام، ولم يمسسني بشر، ولم أك بغياً، قال: كذلك، قال ربك هو على هين، ولنجعله آية للناس، ورحمة منا، وكان أمراً مقضياً).
ومحاولة خلق تشبيه من هذه العبارات لا يؤدي إلا إلى التكلف والتفاهة معاً. ويقدر بعض العلماء في مثل هذا التركيب أن كذلك خبر لمبتدأ محذوف تقديره الأمر كذلك، ونحن نوافق على هذا التقدير وليس في كذلك تشبيه هنا، وإنما المراد: الأمر هو ما أخبرت به لا ريب فيه، ومن (كذلك) هذه التي للتحقيق والتوكيد، تولدت كلمة (كده) في اللغة العامية للدلالة على التحقيق أيضاً، ونحن نستخدمها في ذلك المعنى عندما نقول: الحق كذلك، تريد الحق والصواب هو ذلك، ولعل السر في المجيء بكاف التشبيه هنا هو بيان تمام المطابقة بين الحقيقة الخارجية والحقيقة الكلامية، أي أن ما يكون في الواقع يطابق ما دل عليه الكلام.
تفيد (كذلك) التحقيق إذا كونت هي ومبتدؤها جملة مستقلة كما في الآيتين السالفتين وما على شاكلتهما. وتفيد التحقيق وتأكيد الجملة في غير هذا الموضع أيضاً، ويكثر ذلك عندما