للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الأليم، ولكن نفسي وقد صاغها الله من معدنٍ ضعيف مازالت - وا رحمتاه لها - ملتاعةً أسوانة حتى أعجزها اليأس عن الصبر فما عادت تطيق شجنها المجاهد!)

وانثنى الفتى العربي إلى الماء المقدس يمسح به رأسه ويغسل جبينه، ثم جفا المسجد وراح إلى فرسه فنهض على ذؤابته فانطلق به يعدو في الطريق، واخذ الهواء المستفيض في الأفق يعبث بغدائره المرسلة ويلاعب ريش قبعته المطرزة!

اشرف الفارس العربي على طريق القلعة حيث تجرى أمواه الوادي الكبير متطامنةً هادئة، فبدت له الخضرة والرياحين والأعناب وشجر اللوز الباسق المتهدل وأزهار البرتقال الكاسية الضافية فلذّ الغناء فغنى، وراحت نغماته العذاب تختلط بأغاني الطيور!

وإنه لكذلك إذا قصر القلعة يلوح له عن بعد فطفر إليه مستروحاً إلى غناء رقيق يستفيض من حواشيه!

في هذا القصر عزلات هانئة أوت إليها (كلارا الفاريس) وهي فتاة طفّارة وثّابة فارق أبوها مغناه إلى أرض (النافار) فاستغدى الغرق في المرح والأهواء خلال غيبته عن القصر!

وقف المنصور بن أبي عبد الله في ناحية دانية من القصر وطفق يُصغي إلى عزيف لذٍّ هادئ، وقد بهرته الأنوار وأشجته الأعراف، فتمايد من الطرب، فنحى ناحية القصر يريد التوغل في جنته بين ورده وأقحوانه!

وكان القصر يعج بالحسان والفرسان، فزرف المنصور إليه فإذا هو بين الراقصين والراقصات والمغنين والمغنيات، ثم عاد ينظر إلى نفسه فإذا هو أملح فرسان هذه الليلة الساهرة شباباً وأعذبهم حديثاً، بل لقد كان أمضاهم في الإغراء والاستهواء؛ ولما استوثق من فتون عينيه، مضى إلى هذه الأسراب الناعمة الطفَّارة، يحدث غانية عن حب أجَنَّهُ في قلبه وحرص ألا يذيعه إلا على مسمع منها، حتى إذا أمله العبث والمجون، طفر إلى غانية أخرى فاحتبسها بين ذراعين محمومتين مشبوبتين، ثم شعر بالملل فارتد عنها إلى ثالثة يعانقها ويخاصرها تحت قباب من المرمر، ثم جفاها إلى أختها ملولا من هوى شديد التقلب!

وكان يمضى إلى حسناء من حسان القصر فيسألها أن كانت عنه راضية وبه ناعمة، ثم يومض بيديه إلى صليب من الذهب يَخطِف بريقه على صدره، ويقسم للكاعب اللّعوب أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>