أن ألبي طلبه على رغبتي فيالتلبية إذا تبين لي من لهجة الخطاب أن صاحبه يحسن الكتابة ويحسن الاطلاع. لأن حصتي من النسخ لا تتجاوز بضع عشرات، منها ما أحفظه للمراجعة وإعادة الطبع، ومنها ما أهديه إلى الصحف أو إلى الزملاء الذين يبادلونني مؤلفاتهم ويحق لهم عندي ما يحق لي عندهم في عرف الزمالة والمجاملة، وما بقى هو قليل أرسله إلى من يصادفه حظ القبول من طلابه الأدباء.
والناشرون من جانبهم معذورون إذا نشروا مطبوعاتهم للبيع في الأسواق. لأن صناعة النشر لا تقوم على توزيع الكتب بغير ثمن، وليس في طاقة الناشر أن يفتح مكتبته لتوزيع نسخة بالثمن ونسخة بالمجان، وتدبير الوسيلة للتفرقة بين من يطلب فيجاب ومن يطلب فلا يجاب.
وتبقى بعد ذلك تلك الحقيقة التي لا شك فيها، وهي أن فريقاً من القراء يحبون الاطلاع ويحسنونه ولا يملكون ثمن الكتب التي يتشوقون إلى مطالعتها في كثير من الأحيان.
فما الحيلة في أمر هؤلاء؟
أعرف حيلة قد تدل على مثيلاتها وإن لم تكن هي بذاتها صالحة للتطبيق والتعميم في جميع الأحوال.
فمنذ نيف وثلاثين سنة طبع العالم المشهور الدكتور شبلي شميل مجموعة رسائله وفصوله وهي شرح بخنر على مذهب داروين وبعض المباحث في عالم النفس والاجتماع. وقدر لها ثمنا مائة قرش لجزأي المجموعة، وهما مجلدان حافلان.
وكنت يومئذ في أسوان، شابا ناشئاً أفتتح طريقي إلى الأدب والسياسة بجهد جهيد.
فكتبت إليه أقول ما فحواه: انك من دعاة الاشتراكية كما فهمت من مقالاتك وأحاديثك في الصحف والمجلات. ومعنى الاشتراكية أنك تستكثر المال على الأغنياء، وتود لو يتساوى فيه نصيب المجدودين ونصيب المحرومين. فما بالك أيها العالم الفاضل تضيف نصيب العلم إلى نصيب المال فتجعلهما معاً من حق الأغنياء دون الفقراء؟ أتظن أن الفقير لا يحق له أن يطلع على كتبك؟ أم تظن أن بذلك الجنيه المصري في كتابين أمر ميسور لكل فقير؟
وأصاب الخطاب مقنعاً من الدكتور الأريحي، فجاءتني منه نسخة مهداة، وقرأت في الصحف أنه خصص مائة نسخة للفقراء من القراء، ولا أذكر كيف تصرف في