الذميم، فما باله عند عرض لذكر محمد والإسلام كتب شيئاً هو التعصب بعينه، تعصبٌ لدينه، ذهب فيه إلى حد السجود وتقبيل الأقدام، لا لرب العزة والخلق، بل لبشر هو رئيس الكنيسة التي ما أرى أن فولتير كان في ذات يوم من خدامها المخلصين. هي الأطماع التي كانت تدفع فولتير فيما أرى إلى التمسح بأعتاب الملوك والبابوات، ولقد يقدم ثمناً لذلك أفكاره الحرة أحياناً. منذ ذلك الحين وفولتير عندي متهم، ولن أبرئه أبداً، ولن أعده أبداً من بين أولئك العظام الذين عاشوا بالفكر وحده وللفكر. وأحسب أن التاريخ العادل سوف يحكم عليه هذا الحكم، فينتقم للحق بما افتراه على نبي كريم ظلماً وزوراً. على أن الذين يدعو إلى الدهش أكثر من كل هذا أن الشرق والإسلام وقفا من الأمر موقف النائم الذي لا يعي ولا يشعر بما يحدث حوله، فلم أر كاتباً من كتاب الإسلام قام في ذلك الوقت يدفع عن دينه هذا الهراء الذي قال فولتير، ويقذف في وجه هذا الكاتب بالحقائق الباهرة القاطعة، أو أن مؤلفاً وضع كتاباً يبرز فيه شخصية النبي الخيرة العظيمة واضحة جلية. لقد كان الشرق في ليل هادئ بهيم لم تثر فيه حركة فولتير يومئذ ساكناً، ولكن اليوم قد تغير الأمر، ولاجت في أفق الشرق خيوط الفجر، وقام في هذا القرن كتاب يمجدون عقيدتهم وهم يعلمون أن في ذلك تمجيداً للحق وللشرق، فان المسألة ليست مسألة دين فقط، إنما هي أيضاً مسألة جنس وقومية؛ وإذ تقول أوربا:(الإسلام) فإنما تعني في غالب الأحيان (الشرق) إن الحروب الصليبية في حقيقتها لم تكن إلا حرب الغرب على الشرق؛ وإن الفتح الإسلامي عندما بلغ فرنسا وهدد أوربا لم يكن في الواقع إلا حرب الشرق على الغرب. هذا المد والجزر بين الغرب والشرق يفهمه مفكرو الأوربيين تمام الفهم، ويحسبون له الحساب، ويعملون دائماً على أن تكون الغلبة لهم آخر الأمر، أو أن يطيلوا على الأقل أمد غلبتهم إن كان لابد من تبدل الحال ومن دوران الفلك طبقاً لناموس أعلى لا قبل لهم به. فالدفاع عن شخصيتنا وعقيدتنا دفاع عن حياتنا، وإن الكتابات التي توجه لهذا الغرض النبيل ينبغي أن يكون لها علينا حق المؤازرة والتعضيد؛ وإني لست بناقد منقطع للنظر في أعمال المؤلفين وتقدير ما يكتبون، ولكني أريد أن أشير إشارة سريعة إلى ثلاثة أساليب مختلفة من أساليب الكتابة، اتجهت في العصر الحديث إلى هذه الغاية، كل في دائرته.
ففي الكتابة الدينية:(الرد على هانوتو) للأستاذ الإمام محمد عبده، فلقد نشر هانوتو الكاتب