عليه، فلا تُخفِر ظنه فيك. ولو كان الذي يُطلب من الزوجة حسن صورتها دون حسن تدبيرها وعفافها لعظمت محنتي. وأرجو أن يكون معي منهما أكثر مما قصّر بي في حسن الصورة؛ وسأبلغ محبّتك في كل ما تأمرني. ولو أنت آذيتني لعدَدْتُ الأذى منك نعمة، فكيف إن وسعني كرمك وسترك؟ إنك لا تعامل الله بأفضل من أن تكون سبباً في سعادة بائسة مثلي. أفلا تحرص يا سيدي على أن تكون هذا السبب الشريف؟)
ثم إنها وثبت فجاءت بمال في كيس وقالت: يا سيدي، قد أحل الله لك معي ثلاث حرائر وما آثرْته من الإماء؛ وقد سوّغتك تزويج الثلاث وابتياع الجواري من مال هذا الكيس، فقد وقفته على شهواتك، ولست أطلب منك إلا ستري فقط.
قال احمد بن أيمن: فحلف لي التاجر: إنها ملكت قلبي ملكاً لا تصل إليه حسناء بحسنها، فقلت لها: إن جزاء ما قدمتِ ما تسمعينه مني (والله لأجعلنّك حظي من دنياي فيما يؤثره الرجل من المرأة، ولأضربن على نفسي الحجاب ما تنظر نفسي إلى أنثى غيرك أبداً) ثم أتممت سرورها فحدثتُها بما حفظته عن أبي عبد الله البلخي. فأيقنت والله يا أحمد أنها نزلت مني في أرفع منازلها، وجعلت تحسن وتحسن كالغصن الذي كان مجروداً ثم وخزته الخضرة من هنا ومن هنا.
وعاشرتُها فإذا هي أضبط النساء، وأحسنهن تدبيراً، وأشفقهن عليّ، وأحبهن لي؛ وإذا راحتي وطاعتي أول أمرها وآخره؛ وإذا عقلها وذكاؤها يظهران لي من جمال معانيها ما لا يزال يكثر ويكثر، فجعل القبح يقل ويقل، وزال القبح باعتيادي رؤيته، وبقيت المعاني على جمالها؛ وصارت لي هذه الزوجة هي المرأة وفوق المرأة.
ولما ولدت لي جاء ابنها رائع الصورة، فحدثتني أنها كانت لا تزال تتمنى على كرم الله وقدرته أن تتزوج وتلد أجمل الأولاد، ولم تدع ذلك من فكرها قط، وألف لها عقلها صورة أجمل غلام تتمثله وما برحت تتمثله. فإذا هي أيضاً كان لها شأن كشأني، وكان فكرها عملاً يعمل في نفسها، ويديرها ويصرّفها.
ورزقني الله منها هذين الابنين الرائعين لك؛ فانظر أي معجزتين من معجزات الإيمان.