قال: وغدونا عليه فأحسن الإجابة وزوجني، وأطعم القوم ونحر لهم، ثم قال: إن شئت أن تبيت بأهلك فافعل، فليس لها ما يُحتاج إلى التلوّم عليه وانتظاره.
فقلت: هذا يا سيدي ما أحبه. فلم يزل يحدثني بكل حسن حتى كانت المغرب، فصلاها بي، ثم سبّح وسبّحت، ودعا ودعوت، وبقي مقبلاً على دعائه وتسبيحه ما يلتفت لغير ذلك، فأمضّني - علم الله - كأنه يرى أن ابنته مقبلة مني على مصيبة، فهو يتضرع ويدعو. ثم كانت العتَمة فصلاها بي، وأخذ بيدي فأدخلني إلى دار قد فُرشت بأحسن فرش، وبها خدم وجوار في نهاية من النظافة. فما استقر بي الجلوس حتى نهض وقال: أستودعك الله، وقدّم الله لكما الخير وأحرز التوفيق.
واكتنفني عجائز من شمله، ليس فيهن شابة إلا من كانت في الستين. . . فنظرت فإذا وجوه كوجوه الموتى، وإذا أجسام بالية يتضام بعضها إلى بعض، كأنها أطلال زمن قد انقضّ بين يديّ.
فصاح ابن أيمن: وإن دميتك لعجوز أيضاً. . .؟ ما أراك ياْ ابن عمران إلا قتلت أم الغلامين. . .!
قال مسلم: ثم جَلَون ابنته عليّ وقد ملأْن عينيّ هرماً وموتاً وأخيلة شياطين وظلال قرود؛ فما كدت أستفيق لأرى زوجتي، حتى أسرعْن فأرخين الستور علينا؛ فحمدت الله لذهابهن، ونظرت.
وصاح ابن أيمن وقد أكله الغيظ: لقد أطلت علينا فستحكي لنا قصتك إلى الصباح، قد علمناها، فما خبر الدميمة الشوهاء؟.
قال مسلم: لم تكن الدميمة الشوهاء إلا العروس!
فزاغت أعين الجماعة، , اطرق ابن أيمن إطراقة من ورد عليه ما حيره. ولكن الرجل مضى يقول: ولما نظرتها لم أر إلا ما كنت حفظته عن أبي عبد الله البلخي، وقلت: هي نفسي جاءت بي إليها، وكأن كلام الشيخ إنما كان عملاً يعمل فيّ ويديرني ويصرّفني. وما أسرع ما قامت المسكينة فأكبّت على يدي وقالت:
(يا سيدي، إني سر من أسرار والدي، كتمه عن الناس وأفضى به إليك إذ رآك أهلاً لستره