الحفظة لمُثلنا العليا، والقوّام على آمالنا القومية. فهم آباؤنا في التراث القومي وإن بعدت بيننا علاقات النسب. لا، بل وإن اختلفت ألوان الدماء وتباينت مواطن الشعوب.
في جانب القاهرة المعزية من الشمال الشرقي حي اسمه الآن حي العباسية الشرقية، ومن ورائه من ناحية الجبل مساحة عظيمة مسطحة لا تكاد ترى فيها نشزاً. وقد اختطت في بعض جهات هذا المتسع في أيامنا الحاضرة مدافن حديثة شقت ما بينها الشوارع وأنشئت الحدائق، وهذا السهل يتصل إلى جنوب القاهرة فيما يلي قلعة الجبل لا تكاد ترى في كل هذه المسافة تلاً تعكر سهولة السطح، وهذه المساحة هي بعينها الميدان القديم الذي أنشأه أحد أجدادنا العظام الذين قدمت الإشارة إليهم، وهو الملك العظيم الظاهر بيبرس البندقداري؛ وكان اسم هذا الميدان الفسيح في تسمية العامة:(الميدان الأسود) أو ميدان السباق. وكان في تسمية الخاصة:(ميدان القَبَق).
أما القبق فهو آلة من آلات التمرين الحربي، وهو عبارة عن قرص كبير من الخشب يوضع فوق سارية عالية، ويوضع وراءه هدف يرمي إليه الجنود سهامهم؛ وكان الرمي بالقسي والسهام من أكبر وسائل الرياضة عند أهل ذلك العصر من سني القرن الثالث عشر الميلادي أو القرن السابع الهجري.
وكانت مصر حينئذ قلب الشرق الإسلامي وكنانته. إذ كانت بلاد ما بين النهرين قد أكلتها نيران التتار، وأصبحت دامية صريعة تئن تحت سنابك خيل أحفاد جنكيز خان. وكانت بلاد الشام لا تزال تعاني بقايا الفتح الأوربي الذي اعتراها في مدة الحروب الصليبية، وكانت أوربا لا تزال في أول أدوار النهضة بعد أمد العصور الوسطى، ولا تزال على عقليتها القديمة التي دفعتها إلى الحروب الصليبية تحاول ما استطاعت أن تبطش بدول الإسلام.
فكان على دولة مصر أن تحفظ مدنية الإسلام، وتراث العلم والنور من موجة التتار المخربة المدمرة من جانب الشرق، وأن تدفع عادية أوربا المحنقة الثائرة من جانب الغرب. ولهذا كان لا مفر من أن تكون مصر على رباط دائم، وفؤاد يقظ حديد.
وكان بيبرس ممثل الدفاع في القرن الثالث عشر الميلادي؛ حمل الراية مدة حكمه الطويل فكان بطلاً موفقاً مجدوداً.