ولقد كانت التقاليد الدينية والسياسية حافزاً للفراعنة على رعاية مملكتهم بهمة وصدق، فهم على العرش خلفاء الآلهة، وهم مسئولون عما يفعلون بين يدي أوزيريس في يوم الحساب. فلا جرم يكونون في مقدمة خدام الدولة الساهرين على تدبير شئون مصر وممتلكاتها وتفقد أحوالها. وإن رمسيس لم يكد يشب عن طوقه، ويتجاوز طور الطفولة حتى تولاه أبوه يدربه ويخرجه على يديه. فصحب الابن أباه في حرب الشام، وكان يعاونه في الحفلات الدينية ويطلع على كافة شئون الملك وتدبير إدارته. فهو لما توكله إليه الآلهة اليوم من واجبات وتبعات غير هياب.
ولقد انقطع بين عشية وضحاها عهده بالصبا الغرير حين اجتز حلاق القصر طرته المتهدلة على صدغه الأيمن شارة عليه. وعما قريب تضاف إلى قدرته الإنسانية على عظمتها قوى الهيبة تنتقل إليه مع شعائر الملك. وهذي رعاياه كبيرة الأمل كشأنها في مستهل كل عهد بأنه وإن كان الأخير زمانه لآت بما لم تستطعه الأوائل.
ولقد جرت العادة منذ ألفي سنة بأن تجري مراسم التتويج في منف عاصمة الوجه البحري بمقتضى احتفال مقرر منذ أقدم عصور المملكة المصرية المتحدة. ولكن فراعنة الدولة الحديثة قد آثروا أن يكون تتويجهم في طيبة عاصمة الصعيد وهو منشؤهم ومنبت أعراقهم تحت رعاية الإله آمون. فلما جاء رعمسيس عاود السنة القديمة لأن أسرته من الدلتا ولأنه فوق ذلك موقن بأن الوجه البحري يرتفع كل يوم شأنه ويعظم خطره من الناحيتين الحربية والاقتصادية.
وهكذا استهلت أعياد تتويج رعمسيس في منف بعد الفيضان. ومنف مدينة عريقة في القدم واقعة فيما يلي ملتقى فرعي الدلتا وهي عامرة بالأهلين تطوقها خمائل النخيل الباسقة، وتقوم في أفقها الغربي مثلثات الأهرام، وتسطع شمسها المتجددة على الحقول فتشيع في فلاحيها النشاط والطرب كما تهب من ناحية بحر الروم نفحة باردة تنعش الأبدان.
ولما كان المصريون الأقدمون يؤمنون بأن الاسم - سيان المنطوق والمكتوب - يقوم مقام المسمى وله قوة رهيبة تخلق الأحياء والأشياء، فقد عكف الكهان على اختيار الأسماء الملكية الأربعة ليكمل بها اسم الملك. وتم بسرها لرعمسيس سلطة الملوك وجبروت