ثم تعاقبت المراسم تنقل للملك الجديد القوى السحرية المقترنة بتاجي مصر. فترى الملك بعد التطهر يتلقى على هذه المنصة التاج الأبيض شعار الوجه القبلي، وعلى منصة أخرى التاج الأحمر شعار الوجه البحري، ويسمون هاتين الحفلتين إشراق ملك الجنوب وإشراق ملك الشمال. ويقوم بالتتويج كاهنان مقنعان يمثل أحدهما الإله حوريس في صورة صقر، والآخر الإله ست في صورة سلوقي. ثم يتوج الملك بالتاج التؤام للوجهين القبلي والبحري معا، ويجلس على العرش وعلى جانبيه إله الجنوب وإله الشمال وقد وضع الكاهنان إلى دعامة العرش أزهار اللوتس وهو نبات جنوبي، والبردي وهو نبات شمالي، وربطا النباتين بعضهما إلى البعض بأربطة متقاطعة. وهما مع هذا لا ينفكان يشدان فضول الأربطة بيديهما ويسندان برجليهما عراها حرصاً على توثيقها؛ وأخيراً ينهض الملك والتاج على رأسه وهو متشح بالطيلسان وفي يديه المحجن المعقوف وسوط أوزيريس ويؤدي فريضة (الطواف بالحائط) حول المحراب إشارة إلى أنه يتسلم ملك حوريس وست ويتكفل بصيانته ودفع العدوان عنه.
ولم يبق بعد ذلك إلا اتخاذ الضمانات الرسمية. فإن الآلهة تتخذ سجلات مستوفاة تحصي فيها كل شيء تجنباً للملاحاة والخلاف. وهذان كاهنان يمثل أحدهما إله العلم تحوت، ويمثل الآخر إله الكتابة سخت، يحرران الصكوك بالصيغة الملكية ويودعانها ديوان السماء. وأخيراً يدونان اسم رعمسيس على ورقة من نبات السبط المقدس تخليداً لحكمه.
ولقد كان لتراتيل الكهنة في وسط السكون الرهيب فعل الرقى والتعازيم السحرية في نفس رعمسيس، فضلا عما كانت مصحوبة به من الحركات الموزونة والوقفات النبيلة والإشارات الملتوية في ترسل ويسر. فامتلأ يقيناً بالرسالة الموكولة إليه وبقدرته على تأديتها وبأن التوفيق ملازمه طيلة حياته. ونهض بعد انتهاء المراسم وقد سرت في أعطافه النفحة الإلهية.
وحكم رعمسيس فرعوناً على مصر.
وقد ذهب بعدها إلى طيبة حيث جرى شبه تتويج ثان له، وكان ثمة عيد الإله (مين) في آخر مارس عقب موسم الحصاد. وعبادة (مين) لها شأنها الأكبر في بلاد مصر الزراعية،