هذه أمثلة من النظم الإدارية التي تتبع في كليات جامعاتنا المصرية في القرن العشرين! وكأن الله لم يرد أن يذر أمر هذه الجامعة الكبيرة على ما هي عليه من تلك النظم العتيقة والقيود البالية فقيض لها أخيراً رجلاً أوفى على الغاية في فقه العلوم القانونية وبلغ درجة عالية من الثقافة الذاتية ذلك هو الدكتور محمد كامل مرسي باشا فإنه ما كاد يتولى أمرها حتى أنشأ يعمل بعقله الراجح وفكره الثاقب على صلاح نظمها وتقويم ما اعوج من لوائحها لكي تتبوأ مكانها الذي تستحقه بين جامعات الأمم. فتراه مثلاً ما كاد يعلم بأمر هذا الطالب الذي ذكرنا أمره حتى عز عليه أن ينظر أحد غيره في شأن من شئون الجامعة أو يفصل في أمر من أمورها وأسرع فأقام نفسه مقام مجلس الدولة في الفصل في قضيته وبخاصة فإنه قد كان من قبل رئيساً لهذا المجلس، ولما درس هذه القضية وتبين له حق هذا الطالب واضحاً قدم أمره إلى مجلس الجامعة الأعلى فأقر بالإجماع هذا الحق وبذلك حفظ مستقبل هذا الطالب المتفوق، ولو أن غير هذا العالم الجليل في منصب مدير الجامعة لسكت عن قضية هذا الطالب ولسوغ سكوته أن الأمر قد أصبح بين يدي القضاء.
أما هؤلاء المائة من الطلاب فقد رأى هذا العالم الجليل أن من الظلم أن يضيع عليهم ما حصلوه من علم لأمور شكلية وقضى بحكمته أن يؤدوا امتحاناتهم أسوة بسائر زملائهم.
وقد جرى بيني وبين هذا العالم الحجة حديث في أمر هذا الطالب خاصة وأمر هؤلاء الطلبة عامة فكان من كلامه أن من الظلم المبين أن يحرم طالب متفوق مثله ثمرة جده واجتهاده، وما شأنه بالإسكندرية وقد انقطعت صلته بها فدرس بالقاهرة مناهج غير مناهجها على نظم مغايرة لنظمها؟ ولو نحن هضمنا حقه لقضيتنا على مستقبله ولعقدنا عقدة نفسية عنده تظل طوال حياته تعتاده
هؤلاء الطلبة كيف تمنعهم من أداء امتحانهم وقد أذنا للمعتقلين من إخوانهم أن يؤدوا امتحانهم تحت حراسة الجلاوزة؟
هذا بعض ما سمعته من حديثه؛ القيم وإنا بعد ذلك لنرجو مخلصين أن يوفق هذا العالم الجليل في كل ما يبتغيه من صلاح لهذه الجامعة في نظمها وعلومها حتى تبلغ المكانة اللائقة بها.