المكتوب عنه؛ لأن العبرة بتناول الموضوع لا الموضوع، والعبرة بأسلوب العصر الذي نتوخاه وليست بالسنة التي يدور عليها الكلام. . فالكتابة عن سنة ١٩٣٧ بأسلوب عتيق هي موضوع عتيق. والكتابة عن آدم وحواء بأحدث الأساليب العلمية أو النقدية هي موضوع الساعة الذي لا يبلى. وأولى من الاقتراح على الكتاب أن نقترح على القراء أن يقرءوا كل ما ينفعهم كيفما أختلف موضوعاته، لا أن نشجع (الولد المدلل الممعود) على رفض كل ما على المائدة وطلب كل ما عداه)!
هذه الكلمات ليست لي، ولكنها للأستاذ العقاد يوم أن كان يكتب للرسالة. . لقد ابتلي العقاد يومئذ بهذه الطائفة من المقترحين فكتب هذه الكلمات القيمة؛ وابتليت أنا بها في هذه الأيام فلم أجد في الرد عليها خيراً من هذا الذي كتبه العقاد!
ما أكثر المقترحين حقاً وما أكثر المعترضين. . قارئ يقول لي، في لهجة لا تخلوا من السخط والاحتجاج: لقد حدثتنا عن سار تر، وحدثتنا عن دستوفسكي، وحدثتنا عن شو، وحدثتنا عن بلزاك، وحدثتنا عمن ندري ولا ندري. . صدقني لقد شبعنا حديثاً عن الأدب والأدباء، وبقي أن تتجه بقلمك إلى تلك الجوانب الأخرى التي يضطرب فيها الأحياء من حولك؛ تلك الجوانب التي تصور واقع المجتمع الذي نعيش فيه. . يا أخي عندنا فقر ومرض وجهل، وعندنا من أخطار هذه الأمراض الاجتماعية ما هو كفيل بتحريك المشاعر وإثارة الأقلام، فإلى متى ستظل مشغولاً بغير وطنك، ومحلقاً في غير أفقك، وغافلاً أو متغافلاً عن هذه الصيحات (القومية) التي تنطلق من هذه البقعة من بقاع الشرق، لتفتح منافذ الفكر والشعور لتلك الصيحات (الفنية) التي تأتيك من بقاع الغرب؟! إن كلمة عن الفقير الذي يبحث عن لقمة العيش، أو الجاهل الذي يفتش عن أضواء العلم، أو عن المريض الذي يلتمس ثمن الدواء، لأجدى ألف مرة من فصل يكتب عن سار تر أو يكتب عن دستوفسكي أو يكتب عن برناردشو وبلزاك!
وقارئ آخر يقول لي، في لهجة لا تخلو هي أيضا من العجب والإنكار: يخيل إلينا أنك تحترم الأدب الغربي أكثر مما تحترم الأدب العربي، وتفضل ثقافة الأباعد على ثقافة الأقارب، وتقدر أولئك حيث لا يظفر منك هؤلاء بمثل هذا التقدير. . أو تعتقد أن في أدب الغرب ناقداً مثل عبد القاهر، أو كاتباً مثل الجاحظ، أو شاعراً مثل المتنبي، أو باحثاً مثل