ابن خلدون، أو حكيماً مثل أبي العلاء؟ يا أخي عندنا في مجال الأدب والفكر أقطاب وأعلام، فلماذا لا تخصهم بمثل ما خصصت به الآخرين من البحث والدراسة، ومن النقد والمراجعة، ومن العرض الأمين الذي يبرز قيم المواهب والملكات؟ إن في التراث العربي كنوزاً تزخر بكل ما هو ثمين ونفيس، فلماذا لا تسمح لقلمك بأن يعرج على تلك الكنوز النادرة ليرفع عنها الغطاء؟!
وقارئ ثالث يقول لي، في لهجة تفيض بالأسف وتعج بالإشفاق: لماذا أهملت نقد الكتب كل هذا الإهمال؟ صحيح أن أكثر كتاباتك في النقد، ولكننا نريد نقد الكتب بالذات. . ترى هل أمسكت قلمك عن الكتابة لأن الإنتاج الأدبي في مصر لا يرضيك؟ وإذا كان ذلك كذلك، فهل من الأمانة العلمية أن تسكت عن العيوب لأنها عيوب، وتنصرف عن المآخذ لأنها مآخذ، وتشغل عن رسالة النقد مع أن أساسها الأول هو توجيه الخطى وتحديد الهدف وتمهيد الطريق؟ ألا تشعر أنك تتخلى عن ميدان نرى نحن القراء ما يكتنفه من أزمة في كتابه، وتجوس بقلمك خلال ميادين أخرى لا تشك أنت أنها تشكو التخمة التي تعقب الشبع والامتلاء؟!
وقارئ رابع يقول لي، في لهجة باطنها التذكير وظاهرها التأثير: لقد طرقت أبواب القصة في يوم من الأيام، وأثبت أن ملكتك القاصة لا تقل نضجاً وأصالة عن ملكتك الناقدة، فلماذا لا تترك النقد إلى القصة بعد أن عالجت كل فن من فنونه ونفذت إلى كل زاوية من زواياه؟ صدقني يا أستاذ أن القصة هي أكثر ألوان الأدب رواجاً وأحفلها بإقبال القراء، ومن الخير لقلمك أن يقبل على هذا الإنتاج الذي يتلاءم وشتى الميول وترضى عنه كافة الأذواق!
وقارئ خامس يقول لي، في لهجة يتوثب فيها الخيال وتنزي العاطفة: لست أدري لم تؤثر في هذه الأيام أن تخاطب العقول دون القلوب؟ أين (قصة الدموع التي شابت)، وأين (موكب الحرمان)، وأين تلك النفحات الوجدانية التي كنت تطالعنا بها من حين إلى حين؟ إن ومضات الفكر بما فيها من جفاف لتحوج أرض النفوس إلى قطرات من المطر، هذه القطرات المنعشة من أدب الشعور والوجدان!
وقارئ سادس وسابع وثامن، ورغبات متنافرة وأخرى متناقضة، وسبحان من يرضي جميع العباد. وأقف أنا حائراً بين أنصار الأدب وبين أنصار القصة، وبين أشياع الفن للفن، وبين